الحمدُ للهِ الذِي جعلَ المساجدَ واحاتِ أَمْنٍ وسكينةٍ، وأَشْهَدُ أنْ لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّداً عَبْدُ اللهِ ورسولُهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَى سيدِنَا محمدٍ وعلَى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحسانٍ إلَى يومِ الدِّينِ.
أمَّا بعدُ: فأُوصيكُمْ عبادَ اللهِ ونفسِي بتقوَى اللهِ عزَّ وجلَّ، قالَ تعالَى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
أيهَا المسلمونَ: إنَّ المساجدَ بيوتُ اللهِ تعالَى فِي الأرضِ، وعُمَّارَهَا زُوَّارُهَا، فمَنْ أَتَى الْمَسْجِدَ فَهُوَ زَائِرُ اللَّهِ، وَحَقٌّ عَلَى الْمَزُورِ أَنْ يُكْرِمَ الزَّائِرَ، قالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :» إِنَّ اللَّهَ لَيُنَادِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ: أَيْنَ جِيرَانِي؟ أَيْنَ جِيرَانِي؟ فَتَقُولُ الْمَلاَئِكَةُ: رَبَّنَا وَمَنْ يَنْبَغِي أَنْ يُجَاوِرَكَ؟ فَيَقُولُ: أَيْنَ عُمَّارُ الْمَسَاجِدِ ؟ ». ولقَدْ جعلَ اللهُ تعالَى المساجدَ مناراتِ هدايةٍ وقِيَمٍ، وصُروحَ ثقافةٍ وعلْمٍ، فيهَا يترَبَّى الإنسانُ، فتزكُو نفسُهُ، وينشرِحُ صدْرُهُ، ويطمئنُ فؤادُهُ، وفيهَا يتلاقَى أفرادُ المجتمعِ يتعارفونَ ويتراحمونَ ويتعاونونَ، ولأجلِ ذلكَ فقَدْ كانَ أولُ عملٍ قامَ بهِ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي المدينةِ هوَ بناءُ المسجدِ، قالَ اللهُ تعالَى : (لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ المُطَّهِّرِينَ( ولقَدْ سارَ المسلمونَ عبْرَ تاريخِهِم المجيدِ علَى مَا كانَ عليهِ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وأصحابُهُ الكرامُ مِنْ رعايةٍ واهتمامٍ ببيوتِ اللهِ تعالَى، فمَا مِنْ عاصمةٍ مِنْ عواصمِ الحضارةِ الإسلاميةِ إلاَّ وترتفعُ فِي سمائِهَا المآذنُ، وتُزَيِّنُهَا أَروعُ المساجدِ لتبقَى شاهدةً علَى الحضارةِ فيهَا.
ومَا أحوجَنَا ونحنُ ننظرُ إلَى مساجدِنَا فِي ماضِيهَا العريقِ، وواقِعِهَا الجميلِ أَنْ يُساهمَ كلُّ واحدٍ منَّا فِي إعمارِ بيوتِ اللهِ تعالَى، وأَنْ يقومَ بواجِبِهِ فِي رعايَتِهَا، واعلَمُوا أنَّ المالَ أمانةٌ جعلَهَا اللهُ تعالَى بيْنَ أيدِيكُمْ، وإنَّ خيْرَ استثمارٍ للمالِ هوَ مَا تنفقونَهُ فِي طاعةِ اللهِ تعالَى، قالَ عزَّ مِنْ قائلٍ: (وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ )
عبادَ اللهِ: إنَّ المسلمَ الذِي يُساهمُ فِي بناءِ المساجدِ ورعايتِهَا سينالُ ثواباً عظيماً مِنَ اللهِ تعالَى، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :« مَنْ بَنَى مَسْجِداً لِلَّهِ كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ أَوْ أَصْغَرَ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتاً فِى الْجَنَّةِ» وقدْ وَرَدَ فِي شرْحِ الحديثِ أَنَّ القَطَا طائرٌ معروفٌ لدَى الكثيرِ لأنَّهُ يعيشُ فِي مختلفِ الأماكنِ والظروفِ، ولهُ أنواعٌ عديدةٌ، والمفْحَصُ هوَ المكانُ الذِي يبيضُ فيهِ طائرُ القَطَا، ويتَّخِذُ مِنَ الأرضِ أفحوصةً أيْ حفرةً صغيرةً، وهوَ مكانٌ صغيرٌ لاَ يتجاوزُ فِي مساحتِهِ حجمَ الكفِّ، وقدْ قالَ العلماءُ: إنَّ الحديثَ محمولٌ علَى الإسهامِ فِي بناءِ بيوتِ اللهِ ولَوْ بمبلغٍ قليلٍ، وفيهِ تشجيعٌ علَى أَنْ يشتركَ جماعةٌ مِنَ الناسِ فِي بناءِ مسجدٍ فتقَعَ حصةُ كُلِّ واحدٍ منهُمْ علَى قدْرِ مفْحَصِ القطاةِ. أيهَا المسلمونَ: إنَّهَا دعوةٌ إلَى الإسهامِ والاشتراكِ فِي رعايةِ المساجدِ والمشاركةِ فِي بنائِهَا، وإنَّ الهيئةَ العامةَ للشؤونِ الإسلاميةِ والأوقافِ تدعُوكٌمْ للمشاركةِ فِي أسبوعِ المساجدِ والإسهامِ فِي عمارةِ بيوتِ اللهِ تعالَى كلٌّ بحسبِ استطاعتِهِ وتخصصِهِ، مِنْ خلالِ مشروعِ مفْحصِ القطاةِ، فإذَا تبرَّعَ المسلمُ بمائتَيْ درهمٍ قيمةِ تكلفةِ المفحصِ فإنَّهُ يُحَصِّلُ أَجْرَ بناءِ مسجدٍ. وإنَّ دولةَ الإماراتِ العربيةِ المتحدةِ قَدْ تميَّزَتْ بمساجدِهَا الرائعةِ التِي تغطِي جميعَ مدنِهَا ومناطقِهَا وأحيائِهَا، فمساجدُنَا بفضلِ اللهِ تعالَى ثُمَّ بجهودِ القيادةِ الرشيدةِ مناراتٌ حضاريةٌ فِي تصميمِهَا وصيانتِهَا وفَرْشِهَا ونظافتِهَا، قالَ تعالَى: (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَئَكَ أَن يَكُونُوا مِنَ المُهْتَدِينَ ) وتشيدُ الهيئةُ بتجاوبِ الجمهورِ معَ الحملةِ السابقةِ التِي كانَتْ فِي العامِ الماضِي، والتِي أسفَرَتْ عنْ عشراتِ المساجدِ فِي كلِّ إمارةٍ، منْهَا مَا بناهُ أصحابُ الخيْرِ فِي بلادِنَا بلادِ الخيرِ، ومنْهَا مساجدُ تقومُ الهيئةُ حالياً بتشييدِهَا. نسألُ اللهَ تعالَى أَنْ يوَفِّقَنَا لخدمةِ بيوتِ اللهِ تعالَى، وأَنْ يوفِّقَنَا لطاعتِه وطاعةِ مَنْ أمرنَا بطاعتِهِ, عملاً بقولِهِ تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ) نفعَنِي اللهُ وإياكُمْ بالقرآنِ العظيمِ وبِسنةِ نبيهِ الكريمِ صلى الله عليه وسلم أقولُ قولِي هذَا وأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي ولكُمْ.
الخطبةُ الثانيةُ
الحمدُ للهِ حمدَ الشاكرينَ والعاملينَ المخلصينَ، وأَشْهَدُ أنْ لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّداً عَبْدُ اللهِ ورسولُهُ، اللهمَّ صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَى سيدِنَا محمدٍ وعلَى آلِهِ وأصحابِهِ ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحسانٍ إلَى يومِ الدينِ . أمَّا بعدُ: فإنَّهُ مِنْ سنَّةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم الاستسقاءُ عندَ تأَخُّرِ نزولِ المطرِ ففِي الحديثِ الصحيحِ: جاء أَعْرَابِىٌّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَ الْمَالُ وَجَاعَ الْعِيَالُ ، فَادْعُ اللَّهَ لَنَا . فَرَفَعَ يَدَيْهِ، وَمَا نَرَى فِى السَّمَاءِ قَزَعَةً فَوَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ مَا وَضَعَهَا حَتَّى ثَارَ السَّحَابُ أَمْثَالَ الْجِبَالِ، ثُمَّ لَمْ يَنْزِلْ عَنْ مِنْبَرِهِ حَتَّى رَأَيْتُ الْمَطَرَ يَتَحَادَرُ عَلَى لِحْيَتِهِ صلى الله عليه وسلم فَمُطِرْنَا يَوْمَنَا ذَلِكَ، وَمِنَ الْغَدِ، وَبَعْدَ الْغَدِ وَالَّذِى يَلِيهِ، حَتَّى الْجُمُعَةِ الأُخْرَى. وَقَامَ ذَلِكَ الأَعْرَابِىُّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ تَهَدَّمَ الْبِنَاءُ وَغَرِقَ الْمَالُ، فَادْعُ اللَّهَ لَنَا. فَرَفَعَ يَدَيْهِ، فَقَالَ « اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلاَ عَلَيْنَا». فَمَا يُشِيرُ بِيَدِهِ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ السَّحَابِ إِلاَّ انْفَرَجَتْ، وَصَارَتِ الْمَدِينَةُ مِثْلَ الْجَوْبَةِ وَسَالَ الْوَادِى قَنَاةُ شَهْرًا، وَلَمْ يَجِئْ أَحَدٌ مِنْ نَاحِيَةٍ إِلاَّ حَدَّثَ بِالْجَوْدِ أيْ بالمطرِ الغزيرِ. وتنفيذاً للتوجيهاتِ الساميةِ مِنْ صاحبِ السموِّ الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة يحفظه اللهُ تعالَى ستقامُ صلاةُ الاستسقاءِ فِي جميعِ مساجدِ الدولةِ ومصلياتِهَا غداً السبت الساعة السابعة والنصف صباحاً، فبادِرُوا إليهَا يرحمكُمُ اللهُ. عبادَ اللهِ: إنَّ اللهَ أمرَكُمْ بِأَمْرٍ بَدَأَ فيهِ بنفْسِهِ وَثَنَّى فيهِ بملائكَتِهِ فقَالَ تَعَالَى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) وقالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:« مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْراً»( ) اللهمَّ إنَّا نسألُكَ أَنْ تجعلَ صلواتِكَ وتسليماتِكَ وبركاتِكَ علَى حبيبِكَ ورسولِكَ سيدِنَا محمدٍ، وعلَى آلِهِ الأطهارِ الطيبينَ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وعلَى سائرِ الصحابِةِ الأكرمينَ، وعَنِ التابعينَ ومَنْ تبعَهُمْ بإحسانٍ إلَى يومِ الدينِ، اللهمَّ إنَّا نسألُكَ صحةَ إيمانٍ، وإيماناً فِي حُسْنِ خُلُقٍ، ونجاحاً يتبعُهُ فلاحٌ ورحمةٌ منكَ وعافيةٌ ومغفرةٌ، اللهمَّ حببْ إلينَا الإيمانَ وزيِّنْهُ فِي قلوبِنَا، واجعلْنَا مِنَ الراشدينَ، اللهمَّ إنَّا نَسألُكَ مِمَّا سَألَكَ منهُ سيدُنَا مُحمدٌ صلى الله عليه وسلم ونَعُوذُ بِكَ مِمَّا تَعوَّذَ مِنْهُ سيدُنَا مُحمدٌ صلى الله عليه وسلم اللَّهُمَّ اشفِ مَرْضَانَا وارْحَمْ مَوْتَانَا، ، اللَّهُمَّ اغفر للشَّيْخِ زَايِد، والشَّيْخِ مَكْتُوم، وإخوانِهما شيوخِ الإماراتِ الذينَ انتقلُوا إلى رحمتِكَ، اللَّهُمَّ أَنْزِلْهُم مُنْزَلاً مُبَارَكًا، وأَفِضْ عَلَيْهِم مِنْ رَحَمَاتِكَ وَبَرَكَاتِكَ، وَاجْعَلْ مَاقَدَّموا فِي مِيزَانِ حَسَنَاتِهِم يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا رئيسَ الدولةِ الشَّيْخَ خليفة بنَ زايد وَنَائِبَهُ الشَّيْخَ محمَّدَ بنَ راشدٍ إِلَى مَاتُحِبُّهُ وَتَرْضَاهُ، وَأَيِّدْ إِخْوَانَهُما حُكَّامَ الإِمَارَاتِ أجمعين، اللَّهُمَّ بارِكْ فِي المحسنينَ الذينَ يُنفقونَ أموالَهُمْ ابتغاءَ وجهِكَ الكريمِ، اللَّهُمَّ إنَّا نَسْأَلُكَ الْمَغْفِرَةَ والثَّوَابَ لِمَنْ بَنَى هَذَا الْمَسْجِدَ وَلِوَالِدَيْهِ، وَلِكُلِّ مَنْ عَمِلَ فِيهِ صَالِحًا وَإِحْسَانًا، وَاغْفِرِ اللَّهُمَّ لِكُلِّ مَنْ بَنَى لَكَ مَسْجِدًا يُذْكَرُ فِيهِ اسْمُكَ، اللَّهُمَّ اسقِنَا الغيثَ ولاَ تجعَلْنَا مِنَ القانطينَ، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا منْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ وَأَنْبِتْ لنَا منْ بَرَكَاتِ الأَرْضِ، اللَّهُمَّ أَدِمْ عَلَى دولةِ الإماراتِ الأَمْنَ والأَمَانَ وَعلَى سَائِرِ بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ.
اذْكُرُوا اللَّهَ الْعَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشكرُوهُ علَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ (وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ).
أمَّا بعدُ: فأُوصيكُمْ عبادَ اللهِ ونفسِي بتقوَى اللهِ عزَّ وجلَّ، قالَ تعالَى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
أيهَا المسلمونَ: إنَّ المساجدَ بيوتُ اللهِ تعالَى فِي الأرضِ، وعُمَّارَهَا زُوَّارُهَا، فمَنْ أَتَى الْمَسْجِدَ فَهُوَ زَائِرُ اللَّهِ، وَحَقٌّ عَلَى الْمَزُورِ أَنْ يُكْرِمَ الزَّائِرَ، قالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :» إِنَّ اللَّهَ لَيُنَادِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ: أَيْنَ جِيرَانِي؟ أَيْنَ جِيرَانِي؟ فَتَقُولُ الْمَلاَئِكَةُ: رَبَّنَا وَمَنْ يَنْبَغِي أَنْ يُجَاوِرَكَ؟ فَيَقُولُ: أَيْنَ عُمَّارُ الْمَسَاجِدِ ؟ ». ولقَدْ جعلَ اللهُ تعالَى المساجدَ مناراتِ هدايةٍ وقِيَمٍ، وصُروحَ ثقافةٍ وعلْمٍ، فيهَا يترَبَّى الإنسانُ، فتزكُو نفسُهُ، وينشرِحُ صدْرُهُ، ويطمئنُ فؤادُهُ، وفيهَا يتلاقَى أفرادُ المجتمعِ يتعارفونَ ويتراحمونَ ويتعاونونَ، ولأجلِ ذلكَ فقَدْ كانَ أولُ عملٍ قامَ بهِ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي المدينةِ هوَ بناءُ المسجدِ، قالَ اللهُ تعالَى : (لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ المُطَّهِّرِينَ( ولقَدْ سارَ المسلمونَ عبْرَ تاريخِهِم المجيدِ علَى مَا كانَ عليهِ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وأصحابُهُ الكرامُ مِنْ رعايةٍ واهتمامٍ ببيوتِ اللهِ تعالَى، فمَا مِنْ عاصمةٍ مِنْ عواصمِ الحضارةِ الإسلاميةِ إلاَّ وترتفعُ فِي سمائِهَا المآذنُ، وتُزَيِّنُهَا أَروعُ المساجدِ لتبقَى شاهدةً علَى الحضارةِ فيهَا.
ومَا أحوجَنَا ونحنُ ننظرُ إلَى مساجدِنَا فِي ماضِيهَا العريقِ، وواقِعِهَا الجميلِ أَنْ يُساهمَ كلُّ واحدٍ منَّا فِي إعمارِ بيوتِ اللهِ تعالَى، وأَنْ يقومَ بواجِبِهِ فِي رعايَتِهَا، واعلَمُوا أنَّ المالَ أمانةٌ جعلَهَا اللهُ تعالَى بيْنَ أيدِيكُمْ، وإنَّ خيْرَ استثمارٍ للمالِ هوَ مَا تنفقونَهُ فِي طاعةِ اللهِ تعالَى، قالَ عزَّ مِنْ قائلٍ: (وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ )
عبادَ اللهِ: إنَّ المسلمَ الذِي يُساهمُ فِي بناءِ المساجدِ ورعايتِهَا سينالُ ثواباً عظيماً مِنَ اللهِ تعالَى، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :« مَنْ بَنَى مَسْجِداً لِلَّهِ كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ أَوْ أَصْغَرَ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتاً فِى الْجَنَّةِ» وقدْ وَرَدَ فِي شرْحِ الحديثِ أَنَّ القَطَا طائرٌ معروفٌ لدَى الكثيرِ لأنَّهُ يعيشُ فِي مختلفِ الأماكنِ والظروفِ، ولهُ أنواعٌ عديدةٌ، والمفْحَصُ هوَ المكانُ الذِي يبيضُ فيهِ طائرُ القَطَا، ويتَّخِذُ مِنَ الأرضِ أفحوصةً أيْ حفرةً صغيرةً، وهوَ مكانٌ صغيرٌ لاَ يتجاوزُ فِي مساحتِهِ حجمَ الكفِّ، وقدْ قالَ العلماءُ: إنَّ الحديثَ محمولٌ علَى الإسهامِ فِي بناءِ بيوتِ اللهِ ولَوْ بمبلغٍ قليلٍ، وفيهِ تشجيعٌ علَى أَنْ يشتركَ جماعةٌ مِنَ الناسِ فِي بناءِ مسجدٍ فتقَعَ حصةُ كُلِّ واحدٍ منهُمْ علَى قدْرِ مفْحَصِ القطاةِ. أيهَا المسلمونَ: إنَّهَا دعوةٌ إلَى الإسهامِ والاشتراكِ فِي رعايةِ المساجدِ والمشاركةِ فِي بنائِهَا، وإنَّ الهيئةَ العامةَ للشؤونِ الإسلاميةِ والأوقافِ تدعُوكٌمْ للمشاركةِ فِي أسبوعِ المساجدِ والإسهامِ فِي عمارةِ بيوتِ اللهِ تعالَى كلٌّ بحسبِ استطاعتِهِ وتخصصِهِ، مِنْ خلالِ مشروعِ مفْحصِ القطاةِ، فإذَا تبرَّعَ المسلمُ بمائتَيْ درهمٍ قيمةِ تكلفةِ المفحصِ فإنَّهُ يُحَصِّلُ أَجْرَ بناءِ مسجدٍ. وإنَّ دولةَ الإماراتِ العربيةِ المتحدةِ قَدْ تميَّزَتْ بمساجدِهَا الرائعةِ التِي تغطِي جميعَ مدنِهَا ومناطقِهَا وأحيائِهَا، فمساجدُنَا بفضلِ اللهِ تعالَى ثُمَّ بجهودِ القيادةِ الرشيدةِ مناراتٌ حضاريةٌ فِي تصميمِهَا وصيانتِهَا وفَرْشِهَا ونظافتِهَا، قالَ تعالَى: (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَئَكَ أَن يَكُونُوا مِنَ المُهْتَدِينَ ) وتشيدُ الهيئةُ بتجاوبِ الجمهورِ معَ الحملةِ السابقةِ التِي كانَتْ فِي العامِ الماضِي، والتِي أسفَرَتْ عنْ عشراتِ المساجدِ فِي كلِّ إمارةٍ، منْهَا مَا بناهُ أصحابُ الخيْرِ فِي بلادِنَا بلادِ الخيرِ، ومنْهَا مساجدُ تقومُ الهيئةُ حالياً بتشييدِهَا. نسألُ اللهَ تعالَى أَنْ يوَفِّقَنَا لخدمةِ بيوتِ اللهِ تعالَى، وأَنْ يوفِّقَنَا لطاعتِه وطاعةِ مَنْ أمرنَا بطاعتِهِ, عملاً بقولِهِ تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ) نفعَنِي اللهُ وإياكُمْ بالقرآنِ العظيمِ وبِسنةِ نبيهِ الكريمِ صلى الله عليه وسلم أقولُ قولِي هذَا وأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي ولكُمْ.
الخطبةُ الثانيةُ
الحمدُ للهِ حمدَ الشاكرينَ والعاملينَ المخلصينَ، وأَشْهَدُ أنْ لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّداً عَبْدُ اللهِ ورسولُهُ، اللهمَّ صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَى سيدِنَا محمدٍ وعلَى آلِهِ وأصحابِهِ ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحسانٍ إلَى يومِ الدينِ . أمَّا بعدُ: فإنَّهُ مِنْ سنَّةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم الاستسقاءُ عندَ تأَخُّرِ نزولِ المطرِ ففِي الحديثِ الصحيحِ: جاء أَعْرَابِىٌّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَ الْمَالُ وَجَاعَ الْعِيَالُ ، فَادْعُ اللَّهَ لَنَا . فَرَفَعَ يَدَيْهِ، وَمَا نَرَى فِى السَّمَاءِ قَزَعَةً فَوَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ مَا وَضَعَهَا حَتَّى ثَارَ السَّحَابُ أَمْثَالَ الْجِبَالِ، ثُمَّ لَمْ يَنْزِلْ عَنْ مِنْبَرِهِ حَتَّى رَأَيْتُ الْمَطَرَ يَتَحَادَرُ عَلَى لِحْيَتِهِ صلى الله عليه وسلم فَمُطِرْنَا يَوْمَنَا ذَلِكَ، وَمِنَ الْغَدِ، وَبَعْدَ الْغَدِ وَالَّذِى يَلِيهِ، حَتَّى الْجُمُعَةِ الأُخْرَى. وَقَامَ ذَلِكَ الأَعْرَابِىُّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ تَهَدَّمَ الْبِنَاءُ وَغَرِقَ الْمَالُ، فَادْعُ اللَّهَ لَنَا. فَرَفَعَ يَدَيْهِ، فَقَالَ « اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلاَ عَلَيْنَا». فَمَا يُشِيرُ بِيَدِهِ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ السَّحَابِ إِلاَّ انْفَرَجَتْ، وَصَارَتِ الْمَدِينَةُ مِثْلَ الْجَوْبَةِ وَسَالَ الْوَادِى قَنَاةُ شَهْرًا، وَلَمْ يَجِئْ أَحَدٌ مِنْ نَاحِيَةٍ إِلاَّ حَدَّثَ بِالْجَوْدِ أيْ بالمطرِ الغزيرِ. وتنفيذاً للتوجيهاتِ الساميةِ مِنْ صاحبِ السموِّ الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة يحفظه اللهُ تعالَى ستقامُ صلاةُ الاستسقاءِ فِي جميعِ مساجدِ الدولةِ ومصلياتِهَا غداً السبت الساعة السابعة والنصف صباحاً، فبادِرُوا إليهَا يرحمكُمُ اللهُ. عبادَ اللهِ: إنَّ اللهَ أمرَكُمْ بِأَمْرٍ بَدَأَ فيهِ بنفْسِهِ وَثَنَّى فيهِ بملائكَتِهِ فقَالَ تَعَالَى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) وقالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:« مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْراً»( ) اللهمَّ إنَّا نسألُكَ أَنْ تجعلَ صلواتِكَ وتسليماتِكَ وبركاتِكَ علَى حبيبِكَ ورسولِكَ سيدِنَا محمدٍ، وعلَى آلِهِ الأطهارِ الطيبينَ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وعلَى سائرِ الصحابِةِ الأكرمينَ، وعَنِ التابعينَ ومَنْ تبعَهُمْ بإحسانٍ إلَى يومِ الدينِ، اللهمَّ إنَّا نسألُكَ صحةَ إيمانٍ، وإيماناً فِي حُسْنِ خُلُقٍ، ونجاحاً يتبعُهُ فلاحٌ ورحمةٌ منكَ وعافيةٌ ومغفرةٌ، اللهمَّ حببْ إلينَا الإيمانَ وزيِّنْهُ فِي قلوبِنَا، واجعلْنَا مِنَ الراشدينَ، اللهمَّ إنَّا نَسألُكَ مِمَّا سَألَكَ منهُ سيدُنَا مُحمدٌ صلى الله عليه وسلم ونَعُوذُ بِكَ مِمَّا تَعوَّذَ مِنْهُ سيدُنَا مُحمدٌ صلى الله عليه وسلم اللَّهُمَّ اشفِ مَرْضَانَا وارْحَمْ مَوْتَانَا، ، اللَّهُمَّ اغفر للشَّيْخِ زَايِد، والشَّيْخِ مَكْتُوم، وإخوانِهما شيوخِ الإماراتِ الذينَ انتقلُوا إلى رحمتِكَ، اللَّهُمَّ أَنْزِلْهُم مُنْزَلاً مُبَارَكًا، وأَفِضْ عَلَيْهِم مِنْ رَحَمَاتِكَ وَبَرَكَاتِكَ، وَاجْعَلْ مَاقَدَّموا فِي مِيزَانِ حَسَنَاتِهِم يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا رئيسَ الدولةِ الشَّيْخَ خليفة بنَ زايد وَنَائِبَهُ الشَّيْخَ محمَّدَ بنَ راشدٍ إِلَى مَاتُحِبُّهُ وَتَرْضَاهُ، وَأَيِّدْ إِخْوَانَهُما حُكَّامَ الإِمَارَاتِ أجمعين، اللَّهُمَّ بارِكْ فِي المحسنينَ الذينَ يُنفقونَ أموالَهُمْ ابتغاءَ وجهِكَ الكريمِ، اللَّهُمَّ إنَّا نَسْأَلُكَ الْمَغْفِرَةَ والثَّوَابَ لِمَنْ بَنَى هَذَا الْمَسْجِدَ وَلِوَالِدَيْهِ، وَلِكُلِّ مَنْ عَمِلَ فِيهِ صَالِحًا وَإِحْسَانًا، وَاغْفِرِ اللَّهُمَّ لِكُلِّ مَنْ بَنَى لَكَ مَسْجِدًا يُذْكَرُ فِيهِ اسْمُكَ، اللَّهُمَّ اسقِنَا الغيثَ ولاَ تجعَلْنَا مِنَ القانطينَ، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا منْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ وَأَنْبِتْ لنَا منْ بَرَكَاتِ الأَرْضِ، اللَّهُمَّ أَدِمْ عَلَى دولةِ الإماراتِ الأَمْنَ والأَمَانَ وَعلَى سَائِرِ بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ.
اذْكُرُوا اللَّهَ الْعَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشكرُوهُ علَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ (وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ).