الْحَمْدُ لِلَّهِ ربِّ العالمينَ، وأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ سيدَنَا ونبيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَى سيدِنَا محمدٍ وعلَى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحسانٍ إلَى يومِ الدِّينِ.
أَمَّا بعدُ : فأُوصيكُمْ ونفسِي بتقوَى اللهِ جلَّ وعلاَ ، امتثالاً لقولِهِ تعالَى: (وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الفَائِزُونَ)
أيهَا المسلمونَ: اهتمَّ الإسلامُ بالأُسرةِ اهتمامًا كبيرًا، وقدْ تَجَلَّتْ تلكَ الأهميةُ بالعملِ البنَّاءِ لتأسيسِ الأُسرةِ المستقرةِ الآمنةِ مِنْ خلالِ وصايَا النبيِّ صلى الله عليه وسلم التِي تكفلُ تكوينَ الأُسرةِ، قالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم :« تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ». والمرأةُ مصدرُ التغييرِ والتأثيرِ، وهِيَ أساسُ البيتِ، ومِنْ خلالِهَا تكتمِلُ الأركانُ، وبشَّرَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الزوجةَ الصالحةَ الحافظةَ لدينِهَا وزوجِهَا فقالَ صلى الله عليه وسلم:« إِذَا صَلَّتِ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا، وَصَامَتْ شَهْرَهَا، وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا، وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا قِيلَ لَهَا: ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَىِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ». وقالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:« أَلاَ أُخْبِرُكَ بِخَيْرِ مَا يَكْنِزُ الْمَرْءُ؟ الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ إِذَا نَظَرَ إِلَيْهَا سَرَّتْهُ، وَإِذَا أَمَرَهَا أَطَاعَتْهُ، وَإِذَا غَابَ عَنْهَا حَفِظَتْهُ » فطاعةُ الزوجِ ورعايةُ الأبناءِ والقيامُ علَى شؤونِهِمْ وحُسْنُ تربيتِهِمْ خَيْرُ مَا تُقدِّمُهُ المرأةُ لنفسِهَا ومجتمعِهَا، فالمرأةُ تُنَشِّئُ أبناءَهَا علَى الإيمانِ وحُبِّ الوطنِ والولاءِ لقيادتِهِ، وعلَى الأَخلاقِ الحميدةِ والقِيَمِ السامِيَةِ، وعلَى التزوُّدِ بالعلمِ والمعرفةِ. أيهَا المؤمنونَ: وَعلَى الزوجيْنِ وهُمَا يبنيانِ البيتَ الأُسرِيَّ أَنْ يُدرِكَا حقيقةً، وهيَ أنَّ أحدَهُمَا أَوْ كليْهِمَا لَنْ يجدَ صاحبَهُ كاملاً، وهكذَا خلقَهُمُ اللهُ تعالَى، ووصيةُ القرآنِ للأُسرةِ التعايشُ بالمعروفِ، قالَ سبحانَهُ وتعالَى (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا).
وذكَّرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم الزوجيْنِ بأَنْ ينظُرَ كُلُّ منهُمَا إلَى حسناتِ الآخرِ ولاَ يقفَ عندَ السلبياتِ، قالَ صلى الله عليه وسلم :« لاَ يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِىَ مِنْهَا آخَرَ » .
وهكذَا يُرسِّخُ الإسلامُ القِيَمَ التِي تقودُ الأُسرةَ إلَى السعادةِ والاستقرارِ فِي مواجهةِ الحياةِ. ومِنَ القِيَمِ الأُسريةِ حُسْنُ التعاونِ بيْنَ أفرادِ الأُسرةِ- وخاصةً بيْنَ الزوجيْنِ- علَى تربيةِ أولادِهِمَا، وإدارةِ شؤونِ البيتِ، وتكامُلِ الأدوارِ بينهُمَا، فالزوجُ يتعاونُ معَ زوجتِهِ، وهذَا دليلٌ علَى نُبْلِ نفسِهِ، وطِيبِ معْشَرِهِ، وقدْ كانَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم كثيراً مَا ينشغلُ بالقيامِ بأعباءِ الرسالةِ وشؤونِهَا، واستقبالِ الوفودِ، ومعَ ذلكَ كانَ أحْسَنَ الناسِ عِشرَةً، وهوَ خيْرُ الناسِ لنسائِهِ، ولَمْ تمنَعْهُ كلُّ هذهِ الأعباءُ أَنْ يعاونَ أهلَهُ، وقدْ سُئِلَتْ عَائِشَةُ أُمُّ المؤمنينَ رضيَ اللهُ عنهَا: مَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ قَالَتْ: كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ تَعْنِي خِدْمَةَ أَهْلِهِ، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلاةِ. ومِنْ هذهِ القِيَمِ الحوارُ الأُسرِيُّ، ومناقشةُ مَا يُطرحُ مِنْ أفكارٍ وآراءٍ فيهَا مصلحةٌ للأسرةِ ومنفعةٌ لأفرادِهَا، أَوْ فيمَا يتعلقُ بشؤونِ حياتِهِمْ ومعاشِهِمْ، وقدْ كانَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يستشيرُ بعضَ نسائِهِ، كمَا كانَ يفعلُ معَ أُمِّ سلمةَ رضيَ اللهُ عنهَا، فقَدْ كانَ يأنَسُ برأيِهَا ويعجِبُهُ رجحانُ عقلِهَا رضيَ اللهُ عنْهَا. ومِنْ هذهِ القيمِ أَيضاً: حمايةُ الأُسرةِ مِنْ تدَخُّلاتِ الآخرينَ أَوْ مِنَ المقارناتِ، فعلَى كُلٍّ منهُمَا أَلاَّ ينظرَ إلَى مَا فِي أيدِي غيرِهِ، ولْيَقْنَعْ بِمَا قَسَمَ اللهُ لَهُ، كمَا أَمَرَ الإسلامُ أَنْ يَصونَ كلُّ واحدٍ مِنْ أفرادِ الأُسرةِ أسرارَ البيتِ مِنْ أَنْ تخرجَ خارجَ البيتِ، وخاصةً مَا يكونُ بيْنَ الزوجيْنِ مِنْ أُمورٍ خاصةٍ يجبُ أَلاَّ تتجاوزهُمَا، وقدْ حذَّرَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ إفشاءِ أحدِ الزوجيْنِ لأسرارِ العلاقةِ بينهُمَا، فإنَّ هذَا مِمَّا يُضعِفُ استقرارَ الأُسرةِ، ويرفعُ الحشمةَ والحياءَ بيْنَ الناسِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:« إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الأَمَانَةِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الرَّجُلَ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ وَتُفْضِي إِلَيْهِ ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا» .
أيهَا المسلمونَ: ومِنَ هذهِ القيمِ الأُسريةِ العظيمةِ الوفاءُ بيْنَ أفرادِ الأُسرةِ، وهوَ أشدُّ مطلوبٍ سيَّمَا عندَ الكِبَرِ، فقَدْ أمرَ الزوجَ أَنْ يكونَ وفيًّا لزوجتِهِ علَى كلِّ حالٍ، يحفظُ لَهَا حقَّهَا، ويذكُرُ لَهَا جميلَهَا، ويُقدِّرُ لَهَا معروفَهَا خاصةً بعدَمَا كَبرَتْ سنُّهَا واشتَدَّ ضعفُهَا وحاجتُهَا إليهِ، وكيفَ لاَ يكونُ كذلكَ وقدْ جعَلَ اللهُ كُلاًّ مِنَ الزوجيْنِ سكَناً للآخَرِ وسَمَّى عقْدَ النكاحِ ميثاقاً غليظاً ؟ نَسألُ اللهَ تعالَى أَنْ يوَفِّقَنَا لطاعتِه وطاعةِ مَنْ أمرنَا بطاعتِهِ, عملاً بقولِهِ تعالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ )
نفعَنِي اللهُ وإياكُمْ بالقرآنِ العظيمِ وبِسنةِ نبيهِ الكريمِ صلى الله عليه وسلم . أقولُ قولِي هذَا وأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي ولكُمْ.
الخطبةُ الثانيةُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ ربِّ العالمينَ، وأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ سيدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَى سيدِنَا محمدٍ وعلَى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، الذينَ تَمَسَّكُوا بسنَّتِهِ، وعملُوا بِهديِهِ، فكانُوا خيْرَ رُعاةٍ لأُسرِهِمْ، وأُمناءَ علَى مجتمعاتِهِمْ، وحماةً لأَوطانِهِمْ.
أمَّا بعدُ: فاتقُوا اللهَ عبادَ اللهِ واعلمُوا أنَّ دولتَنَا المباركةَ قَدْ سنَّتْ القوانينَ التِي تُساعدُ علَى بناءِ الأُسرة، ومنْهَا الفحصُ الطبِيُّ قبْلَ الزواجِ لتضمَنَ خُلُوَّ الزوجيْنِ مِنَ الأمراضِ المعديَةِ، ولتُجَنِّبَ الأبناءَ الأمراضَ الوراثيةَ، كمَا حرصَتْ علَى ترشيدِ الإنفاقِ الأُسرِيِّ وتوجيهِ مَنْ يُريدُ الزواجَ إلَى الاعتدالِ والاقتصادِ المحمودِ فِي الإنفاقِ الذِي يحققُ لهُ المعيشةَ السعيدةَ والحياةَ الهادئةَ، فأنشأَتْ صندوقَ الزواجِ الذِي يَمنَحُ مَنْ يُريدُ الزواجَ منحةً لاَ تُردُّ، كمَا أنَّهَا تُشجعُ الأَعراسَ الجماعيةَ وتدعُو إليهَا ترشيدًا للإنفاقِ وزيادةً فِي الروابطِ الاجتماعيةِ.
عبادَ اللهِ: إنَّ اللهَ أمرَكُمْ بِأَمْرٍ بَدَأَ فيهِ بنفْسِهِ وَثَنَّى فيهِ بملائكَتِهِ فقَالَ تَعَالَى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) وقالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:« مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْراً» اللهمَّ إنَّا نسألُكَ أَنْ تجعلَ صلواتِكَ وتسليماتِكَ وبركاتِكَ علَى حبيبِكَ ورسولِكَ سيدِنَا محمدٍ، وعلَى آلِهِ الأطهارِ الطيبينَ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وعلَى سائرِ الصحابِةِ الأكرمينَ، وعَنِ التابعينَ ومَنْ تبعَهُمْ بإحسانٍ إلَى يومِ الدينِ، اللَّهُمَّ آتِ نُفُوسَنا تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلاهَا، اللهمَّ إنَّا نسألُكَ صحةَ إيمانٍ، وإيماناً فِي حُسْنِ خُلُقٍ، ونجاحاً يتبعُهُ فلاحٌ ورحمةٌ منكَ وعافيةٌ ومغفرةٌ، اللهمَّ حببْ إلينَا الإيمانَ وزيِّنْهُ فِي قلوبِنَا، واجعلْنَا مِنَ الراشدينَ، اللهمَّ إنَّا نَسألُكَ مِمَّا سَألَكَ منهُ سيدُنَا مُحمدٌ صلى الله عليه وسلم ونَعُوذُ بِكَ مِمَّا تَعوَّذَ مِنْهُ سيدُنَا مُحمدٌ صلى الله عليه وسلم اللَّهُمَّ اشفِ مَرْضَانَا وارْحَمْ مَوْتَانَا، اللَّهُمَّ اغفر للشَّيْخِ زَايِد، والشَّيْخِ مَكْتُوم، وإخوانِهما شيوخِ الإماراتِ الذينَ انتقلُوا إلى رحمتِكَ، اللَّهُمَّ أَنْزِلْهُم مُنْزَلاً مُبَارَكًا، وأَفِضْ عَلَيْهِم مِنْ رَحَمَاتِكَ وَبَرَكَاتِكَ، وَاجْعَلْ مَاقَدَّموا فِي مِيزَانِ حَسَنَاتِهِم يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، اللَّهُمَّ اغفر للشَّيْخِ زَايِد، والشَّيْخِ مَكْتُوم، وإخوانِهما شيوخِ الإماراتِ الذينَ انتقلُوا إلى رحمتِكَ، اللَّهُمَّ أَنْزِلْهُم مُنْزَلاً مُبَارَكًا، وأَفِضْ عَلَيْهِم مِنْ رَحَمَاتِكَ وَبَرَكَاتِكَ، وَاجْعَلْ مَاقَدَّموا فِي مِيزَانِ حَسَنَاتِهِم يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا رئيسَ الدولةِ الشَّيْخَ خليفة بنَ زايد وَنَائِبَهُ الشَّيْخَ محمَّدَ بنَ راشدٍ إِلَى مَاتُحِبُّهُ وَتَرْضَاهُ، وَأَيِّدْ إِخْوَانَهُما حُكَّامَ الإِمَارَاتِ أجمعين، اللَّهُمَّ بارِكْ فِي المحسنينَ الذينَ يُنفقونَ أموالَهُمْ ابتغاءَ وجهِكَ الكريمِ، اللَّهُمَّ إنَّا نَسْأَلُكَ الْمَغْفِرَةَ والثَّوَابَ لِمَنْ بَنَى هَذَا الْمَسْجِدَ وَلِوَالِدَيْهِ، وَلِكُلِّ مَنْ عَمِلَ فِيهِ صَالِحًا وَإِحْسَانًا، وَاغْفِرِ اللَّهُمَّ لِكُلِّ مَنْ بَنَى لَكَ مَسْجِدًا يُذْكَرُ فِيهِ اسْمُكَ، اللَّهُمَّ اسقِنَا الغيثَ ولاَ تجعَلْنَا مِنَ القانطينَ، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا منْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ وَأَنْبِتْ لنَا منْ بَرَكَاتِ الأَرْضِ، اللَّهُمَّ أَدِمْ عَلَى دولةِ الإماراتِ الأَمْنَ والأَمَانَ وَعلَى سَائِرِ بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ.
اذْكُرُوا اللَّهَ الْعَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشكرُوهُ علَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ (وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ).
أَمَّا بعدُ : فأُوصيكُمْ ونفسِي بتقوَى اللهِ جلَّ وعلاَ ، امتثالاً لقولِهِ تعالَى: (وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الفَائِزُونَ)
أيهَا المسلمونَ: اهتمَّ الإسلامُ بالأُسرةِ اهتمامًا كبيرًا، وقدْ تَجَلَّتْ تلكَ الأهميةُ بالعملِ البنَّاءِ لتأسيسِ الأُسرةِ المستقرةِ الآمنةِ مِنْ خلالِ وصايَا النبيِّ صلى الله عليه وسلم التِي تكفلُ تكوينَ الأُسرةِ، قالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم :« تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ». والمرأةُ مصدرُ التغييرِ والتأثيرِ، وهِيَ أساسُ البيتِ، ومِنْ خلالِهَا تكتمِلُ الأركانُ، وبشَّرَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الزوجةَ الصالحةَ الحافظةَ لدينِهَا وزوجِهَا فقالَ صلى الله عليه وسلم:« إِذَا صَلَّتِ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا، وَصَامَتْ شَهْرَهَا، وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا، وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا قِيلَ لَهَا: ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَىِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ». وقالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:« أَلاَ أُخْبِرُكَ بِخَيْرِ مَا يَكْنِزُ الْمَرْءُ؟ الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ إِذَا نَظَرَ إِلَيْهَا سَرَّتْهُ، وَإِذَا أَمَرَهَا أَطَاعَتْهُ، وَإِذَا غَابَ عَنْهَا حَفِظَتْهُ » فطاعةُ الزوجِ ورعايةُ الأبناءِ والقيامُ علَى شؤونِهِمْ وحُسْنُ تربيتِهِمْ خَيْرُ مَا تُقدِّمُهُ المرأةُ لنفسِهَا ومجتمعِهَا، فالمرأةُ تُنَشِّئُ أبناءَهَا علَى الإيمانِ وحُبِّ الوطنِ والولاءِ لقيادتِهِ، وعلَى الأَخلاقِ الحميدةِ والقِيَمِ السامِيَةِ، وعلَى التزوُّدِ بالعلمِ والمعرفةِ. أيهَا المؤمنونَ: وَعلَى الزوجيْنِ وهُمَا يبنيانِ البيتَ الأُسرِيَّ أَنْ يُدرِكَا حقيقةً، وهيَ أنَّ أحدَهُمَا أَوْ كليْهِمَا لَنْ يجدَ صاحبَهُ كاملاً، وهكذَا خلقَهُمُ اللهُ تعالَى، ووصيةُ القرآنِ للأُسرةِ التعايشُ بالمعروفِ، قالَ سبحانَهُ وتعالَى (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا).
وذكَّرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم الزوجيْنِ بأَنْ ينظُرَ كُلُّ منهُمَا إلَى حسناتِ الآخرِ ولاَ يقفَ عندَ السلبياتِ، قالَ صلى الله عليه وسلم :« لاَ يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِىَ مِنْهَا آخَرَ » .
وهكذَا يُرسِّخُ الإسلامُ القِيَمَ التِي تقودُ الأُسرةَ إلَى السعادةِ والاستقرارِ فِي مواجهةِ الحياةِ. ومِنَ القِيَمِ الأُسريةِ حُسْنُ التعاونِ بيْنَ أفرادِ الأُسرةِ- وخاصةً بيْنَ الزوجيْنِ- علَى تربيةِ أولادِهِمَا، وإدارةِ شؤونِ البيتِ، وتكامُلِ الأدوارِ بينهُمَا، فالزوجُ يتعاونُ معَ زوجتِهِ، وهذَا دليلٌ علَى نُبْلِ نفسِهِ، وطِيبِ معْشَرِهِ، وقدْ كانَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم كثيراً مَا ينشغلُ بالقيامِ بأعباءِ الرسالةِ وشؤونِهَا، واستقبالِ الوفودِ، ومعَ ذلكَ كانَ أحْسَنَ الناسِ عِشرَةً، وهوَ خيْرُ الناسِ لنسائِهِ، ولَمْ تمنَعْهُ كلُّ هذهِ الأعباءُ أَنْ يعاونَ أهلَهُ، وقدْ سُئِلَتْ عَائِشَةُ أُمُّ المؤمنينَ رضيَ اللهُ عنهَا: مَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ قَالَتْ: كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ تَعْنِي خِدْمَةَ أَهْلِهِ، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلاةِ. ومِنْ هذهِ القِيَمِ الحوارُ الأُسرِيُّ، ومناقشةُ مَا يُطرحُ مِنْ أفكارٍ وآراءٍ فيهَا مصلحةٌ للأسرةِ ومنفعةٌ لأفرادِهَا، أَوْ فيمَا يتعلقُ بشؤونِ حياتِهِمْ ومعاشِهِمْ، وقدْ كانَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يستشيرُ بعضَ نسائِهِ، كمَا كانَ يفعلُ معَ أُمِّ سلمةَ رضيَ اللهُ عنهَا، فقَدْ كانَ يأنَسُ برأيِهَا ويعجِبُهُ رجحانُ عقلِهَا رضيَ اللهُ عنْهَا. ومِنْ هذهِ القيمِ أَيضاً: حمايةُ الأُسرةِ مِنْ تدَخُّلاتِ الآخرينَ أَوْ مِنَ المقارناتِ، فعلَى كُلٍّ منهُمَا أَلاَّ ينظرَ إلَى مَا فِي أيدِي غيرِهِ، ولْيَقْنَعْ بِمَا قَسَمَ اللهُ لَهُ، كمَا أَمَرَ الإسلامُ أَنْ يَصونَ كلُّ واحدٍ مِنْ أفرادِ الأُسرةِ أسرارَ البيتِ مِنْ أَنْ تخرجَ خارجَ البيتِ، وخاصةً مَا يكونُ بيْنَ الزوجيْنِ مِنْ أُمورٍ خاصةٍ يجبُ أَلاَّ تتجاوزهُمَا، وقدْ حذَّرَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ إفشاءِ أحدِ الزوجيْنِ لأسرارِ العلاقةِ بينهُمَا، فإنَّ هذَا مِمَّا يُضعِفُ استقرارَ الأُسرةِ، ويرفعُ الحشمةَ والحياءَ بيْنَ الناسِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:« إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الأَمَانَةِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الرَّجُلَ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ وَتُفْضِي إِلَيْهِ ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا» .
أيهَا المسلمونَ: ومِنَ هذهِ القيمِ الأُسريةِ العظيمةِ الوفاءُ بيْنَ أفرادِ الأُسرةِ، وهوَ أشدُّ مطلوبٍ سيَّمَا عندَ الكِبَرِ، فقَدْ أمرَ الزوجَ أَنْ يكونَ وفيًّا لزوجتِهِ علَى كلِّ حالٍ، يحفظُ لَهَا حقَّهَا، ويذكُرُ لَهَا جميلَهَا، ويُقدِّرُ لَهَا معروفَهَا خاصةً بعدَمَا كَبرَتْ سنُّهَا واشتَدَّ ضعفُهَا وحاجتُهَا إليهِ، وكيفَ لاَ يكونُ كذلكَ وقدْ جعَلَ اللهُ كُلاًّ مِنَ الزوجيْنِ سكَناً للآخَرِ وسَمَّى عقْدَ النكاحِ ميثاقاً غليظاً ؟ نَسألُ اللهَ تعالَى أَنْ يوَفِّقَنَا لطاعتِه وطاعةِ مَنْ أمرنَا بطاعتِهِ, عملاً بقولِهِ تعالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ )
نفعَنِي اللهُ وإياكُمْ بالقرآنِ العظيمِ وبِسنةِ نبيهِ الكريمِ صلى الله عليه وسلم . أقولُ قولِي هذَا وأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي ولكُمْ.
الخطبةُ الثانيةُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ ربِّ العالمينَ، وأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ سيدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَى سيدِنَا محمدٍ وعلَى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، الذينَ تَمَسَّكُوا بسنَّتِهِ، وعملُوا بِهديِهِ، فكانُوا خيْرَ رُعاةٍ لأُسرِهِمْ، وأُمناءَ علَى مجتمعاتِهِمْ، وحماةً لأَوطانِهِمْ.
أمَّا بعدُ: فاتقُوا اللهَ عبادَ اللهِ واعلمُوا أنَّ دولتَنَا المباركةَ قَدْ سنَّتْ القوانينَ التِي تُساعدُ علَى بناءِ الأُسرة، ومنْهَا الفحصُ الطبِيُّ قبْلَ الزواجِ لتضمَنَ خُلُوَّ الزوجيْنِ مِنَ الأمراضِ المعديَةِ، ولتُجَنِّبَ الأبناءَ الأمراضَ الوراثيةَ، كمَا حرصَتْ علَى ترشيدِ الإنفاقِ الأُسرِيِّ وتوجيهِ مَنْ يُريدُ الزواجَ إلَى الاعتدالِ والاقتصادِ المحمودِ فِي الإنفاقِ الذِي يحققُ لهُ المعيشةَ السعيدةَ والحياةَ الهادئةَ، فأنشأَتْ صندوقَ الزواجِ الذِي يَمنَحُ مَنْ يُريدُ الزواجَ منحةً لاَ تُردُّ، كمَا أنَّهَا تُشجعُ الأَعراسَ الجماعيةَ وتدعُو إليهَا ترشيدًا للإنفاقِ وزيادةً فِي الروابطِ الاجتماعيةِ.
عبادَ اللهِ: إنَّ اللهَ أمرَكُمْ بِأَمْرٍ بَدَأَ فيهِ بنفْسِهِ وَثَنَّى فيهِ بملائكَتِهِ فقَالَ تَعَالَى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) وقالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:« مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْراً» اللهمَّ إنَّا نسألُكَ أَنْ تجعلَ صلواتِكَ وتسليماتِكَ وبركاتِكَ علَى حبيبِكَ ورسولِكَ سيدِنَا محمدٍ، وعلَى آلِهِ الأطهارِ الطيبينَ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وعلَى سائرِ الصحابِةِ الأكرمينَ، وعَنِ التابعينَ ومَنْ تبعَهُمْ بإحسانٍ إلَى يومِ الدينِ، اللَّهُمَّ آتِ نُفُوسَنا تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلاهَا، اللهمَّ إنَّا نسألُكَ صحةَ إيمانٍ، وإيماناً فِي حُسْنِ خُلُقٍ، ونجاحاً يتبعُهُ فلاحٌ ورحمةٌ منكَ وعافيةٌ ومغفرةٌ، اللهمَّ حببْ إلينَا الإيمانَ وزيِّنْهُ فِي قلوبِنَا، واجعلْنَا مِنَ الراشدينَ، اللهمَّ إنَّا نَسألُكَ مِمَّا سَألَكَ منهُ سيدُنَا مُحمدٌ صلى الله عليه وسلم ونَعُوذُ بِكَ مِمَّا تَعوَّذَ مِنْهُ سيدُنَا مُحمدٌ صلى الله عليه وسلم اللَّهُمَّ اشفِ مَرْضَانَا وارْحَمْ مَوْتَانَا، اللَّهُمَّ اغفر للشَّيْخِ زَايِد، والشَّيْخِ مَكْتُوم، وإخوانِهما شيوخِ الإماراتِ الذينَ انتقلُوا إلى رحمتِكَ، اللَّهُمَّ أَنْزِلْهُم مُنْزَلاً مُبَارَكًا، وأَفِضْ عَلَيْهِم مِنْ رَحَمَاتِكَ وَبَرَكَاتِكَ، وَاجْعَلْ مَاقَدَّموا فِي مِيزَانِ حَسَنَاتِهِم يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، اللَّهُمَّ اغفر للشَّيْخِ زَايِد، والشَّيْخِ مَكْتُوم، وإخوانِهما شيوخِ الإماراتِ الذينَ انتقلُوا إلى رحمتِكَ، اللَّهُمَّ أَنْزِلْهُم مُنْزَلاً مُبَارَكًا، وأَفِضْ عَلَيْهِم مِنْ رَحَمَاتِكَ وَبَرَكَاتِكَ، وَاجْعَلْ مَاقَدَّموا فِي مِيزَانِ حَسَنَاتِهِم يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا رئيسَ الدولةِ الشَّيْخَ خليفة بنَ زايد وَنَائِبَهُ الشَّيْخَ محمَّدَ بنَ راشدٍ إِلَى مَاتُحِبُّهُ وَتَرْضَاهُ، وَأَيِّدْ إِخْوَانَهُما حُكَّامَ الإِمَارَاتِ أجمعين، اللَّهُمَّ بارِكْ فِي المحسنينَ الذينَ يُنفقونَ أموالَهُمْ ابتغاءَ وجهِكَ الكريمِ، اللَّهُمَّ إنَّا نَسْأَلُكَ الْمَغْفِرَةَ والثَّوَابَ لِمَنْ بَنَى هَذَا الْمَسْجِدَ وَلِوَالِدَيْهِ، وَلِكُلِّ مَنْ عَمِلَ فِيهِ صَالِحًا وَإِحْسَانًا، وَاغْفِرِ اللَّهُمَّ لِكُلِّ مَنْ بَنَى لَكَ مَسْجِدًا يُذْكَرُ فِيهِ اسْمُكَ، اللَّهُمَّ اسقِنَا الغيثَ ولاَ تجعَلْنَا مِنَ القانطينَ، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا منْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ وَأَنْبِتْ لنَا منْ بَرَكَاتِ الأَرْضِ، اللَّهُمَّ أَدِمْ عَلَى دولةِ الإماراتِ الأَمْنَ والأَمَانَ وَعلَى سَائِرِ بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ.
اذْكُرُوا اللَّهَ الْعَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشكرُوهُ علَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ (وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ).