الحَمْدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وأشهدُ أَنَّ سيدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ الأَخْيَارِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فيَا عبادَ اللهِ أُوصيكُمْ ونَفْسِي بتقْوَى اللهِ عزَّ وجلَّ، وأَحثُّكُمْ علَى طاعتِهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)
أيهَا المسلمونَ: لقَدِ حفلَت آياتُ القرآنِ الكريمِ والسنةُ النبويةُ المطهرةُ بالنصوصِ التِي تُرشِدُنَا إلَى أهميةِ الحوارِ فِي حياةِ الناسِ، وتُعلِّمُنَا حُسْنَ الاستماعِ إلَى الآخرينَ، وقَدْ ذكَرَ القرآنُ الكريمُ الحوارَ فِي قصةِ خَلْقِ الإنسانِ، وسؤالَ الملائكةِ لربِّ العالمينَ، قالَ تعالَى: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) فاستجابَتِ الملائكةُ لأمْرِ اللهِ تعالَى كمَا قالَ عَزَّ مِنْ قائلٍ: (فَسَجَدَ المَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ* إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ) وقَدْ سأَلَ اللهُ تعالَى إبليسَ عَنْ سبَبِ عِصيانِهِ فقَالَ سبحانَهُ : (يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ* قَالَ لَمْ أَكُن لأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَأٍ مَّسْنُونٍ) يَا لَهُ مِنْ درْسٍ عظيمٍ نُدرِكُ مِنْ خلالِهِ أهميةَ الحوارِ فِي حياتِنَا، ونتعلَّمُ منْهُ حُسْنَ الإصغاءِ للآخرينَ ولَوْ كانُوا غيْرَ مُحِقِّينَ. أيُّهَا المؤمنونَ: لقَدْ تَحاوَرَ سيدُنَا نوحٌ وهودٌ وإبراهيمُ وشعيبٌ وموسَى عليهمُ السلامُ مَعَ أقوامِهِمْ، وقَصَّ علينَا القرآنُ الكريمُ محاوراتِهِمْ، وجاءَ فِي القرآنِ الكريمِ حِوارٌ جَرَى بيْنَ رَجُلَيْنِ أَنْعَمَ اللهُ تعالَى علَى أحدِهِمَا بِجَنَّتَيْنِ، آية فِي الجمالِ وتنَوُّعِ الثِّمَارِ، فسَوَّلَتْ لهُ نفسُهُ فاغْتَرَّ بِمَا عندَهُ، وأنكرَ الإيمانَ والدارَ الآخرةَ، فكانَ صاحبُهُ المؤمنُ يُحاورُهُ بأدَبٍ، وينصَحُهُ بلُطْفٍ، قَالَ سبحانَهُ وتعالَى: (قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً ) وفِي نِهايةِ القصةِ ندِمَ الرجلُ علَى مَا اقترَفَ، قالَ تعالَى مُخبِرًا عنهُ: (يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً ) ونتعلَّمُ مِنْ هذهِ القصةِ أَدَبَ الحوارِ واستخدامَ اللينِ معَ الآخرينَ.
عبادَ اللهِ: إنَّ الحوارَ هامٌّ فِي حياتِنَا، فعلينَا أَنْ نُعلِّمَهُ أبناءَنَا وبناتِنَا، ونمارسَهُ بآدابِهِ وأخلاقِهِ فِي العلاقاتِ بينَ الأزواجِ والزوجاتِ، وبينَ الآباءِ والأبناءِ، وبينَ المعلمينَ والطلابِ، تأمَّلُوا هذَا الحوارَ التربوِيَّ الذِي ورَدَ فِي السنةِ النبويةِ المطهرةِ، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضيَ اللهُ عنهُمَا قَالَ: أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِلَبَنٍ وَعَنْ يَمِينِهِ ابْنُ عَبَّاسٍ-وكانَ صغيرَ السِّنِّ- وَعَنْ يَسَارِهِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لاِبْنِ عَبَّاسٍ :« أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أَسْقِىَ خَالِدًا؟». قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا أُحِبُّ أَنْ أُوثِرَ بِسُؤْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى نَفْسِي أَحَدًا. فَأَخَذَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَشَرِبَ، وَشَرِبَ خَالِدٌ. مَا أروعَهُ مِنْ حوارٍ فيهِ احترامٌ لمشاعرِ الصغيرِ، واستماعٌ لرأيِهِ.
أيُّهَا المسلمونَ: إنَّ مِنْ أسبابِ نجاحِ الحوارِ الهادفِ الابتعادَ عَنِ الجدالِ بالباطلِ لأنَّهُ يُستخدَمُ لقَلْبِ الحقيقةِ مِنْ غيرِ هُدًى ولاَ دليلٍ ولاَ حجَّةٍ ولاَ بُرهانٍ، قالَ تعالَى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ) فالحوارُ الهادفُ ينجَحُ بالحكمةِ، وباستخدامِ أفضَلِ السبُلِ للإقناعِ، قالَ سبحانَهُ : (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) والحوارُ بالتِي هيَ أحسنُ يستلزِمُ احترامَ الآخرِ، والصبْرَ عليهِ وعدمَ مقاطعتِهِ أثناءَ حديثِهِ أَوْ بيانِ رأْيِهِ، كمَا يستلزِمُ حُسْنَ الظنِّ بهِ، والحرصَ علَى عدمِ تحويلِ الحوارِ إلَى جَدَلٍ وخصامٍ، قَالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:« إِنَّ أَبْغَضَ الرِّجَالِ إِلَى اللَّهِ الأَلَدُّ الْخَصِمُ» . فليكُنِ الحوارُ الهادفُ منهجًا لنَا، نستخدِمُهُ فِي حَلِّ مُشكلاتِنَا، وإدارةِ شؤونِنَا. نَسألُ اللهَ تعالَى أَنْ يوَفِّقَنَا لطاعتِه وطاعةِ مَنْ أمرَنَا بطاعتِهِ, عملاً بقولِهِ تعالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ( نفعَنِي اللهُ وإياكُمْ بالقرآنِ العظيمِ وبِسنةِ نبيهِ الكريمِ صلى الله عليه وسلم . أقولُ قولِي هذَا وأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي ولكُمْ. الخُطْبَةُ الثَّانية الحَمْدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ذُو الجَلالِ والإِكرامِ، وأَشْهَدُ أَنَّ سيدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ سَيِّدُ الأَنَامِ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ. أمَّا بعدُ: فاتقُوا اللهَ عبادَ اللهِ واعلمُوا أنَّ منهجيةَ الحوارِ فِي القرآنِ الكريمِ تُعلِّمُنَا أنَّ الحوارَ يكونُ مِنْ أجْلِ تصحيحِ الأفكارِ، والوصولِ إلَى النتائجِ الطيبةِ التِي تخدمُ مصالِحَ الناسِ، وتُسهِمُ فِي تقدُّمِ المجتمعِ، فبالحوارِ الهادئِ تزدادُ الأُسرةُ تماسكًا، ويتفاهَمُ الأصدقاءُ معَ بعضِهِمْ، وبالحوارِ ننجَحُ فِي الوصولِ إلَى التعايشِ بينَ أفرادِ المجتمعِ، ونحقِّقُ معانِيَ القِيَمِ الإنسانيةِ والحضاريةِ الراقيَة. عبادَ اللهِ: إنَّ اللهَ أمرَكُمْ بِأَمْرٍ بَدَأَ فيهِ بنفْسِهِ وَثَنَّى فيهِ بملائكَتِهِ فقَالَ تَعَالَى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) وقالَ رسولُ اللهِ صلى الله علي هوسلم :« مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْراً» اللهمَّ إنَّا نسألُكَ أَنْ تجعلَ صلواتِكَ وتسليماتِكَ وبركاتِكَ علَى حبيبِكَ ورسولِكَ سيدِنَا محمدٍ، وعلَى آلِهِ الأطهارِ الطيبينَ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وعلَى سائرِ الصحابِةِ الأكرمينَ، وعَنِ التابعينَ ومَنْ تبعَهُمْ بإحسانٍ إلَى يومِ الدينِ، اللهمَّ إنَّا نسألُكَ صحةَ إيمانٍ، وإيماناً فِي حُسْنِ خُلُقٍ، ونجاحاً يتبعُهُ فلاحٌ ورحمةٌ منكَ وعافيةٌ ومغفرةٌ، اللهمَّ حببْ إلينَا الإيمانَ وزيِّنْهُ فِي قلوبِنَا، واجعلْنَا مِنَ الراشدينَ، اللهمَّ إنَّا نَسألُكَ مِمَّا سَألَكَ منهُ سيدُنَا مُحمدٌ صلى الله عليه وسلم ونَعُوذُ بِكَ مِمَّا تَعوَّذَ مِنْهُ سيدُنَا مُحمدٌ صلى الله عليه وسلم اللَّهُمَّ اشفِ مَرْضَانَا وارْحَمْ مَوْتَانَا، اللَّهُمَّ اغفر للشَّيْخِ زَايِد، والشَّيْخِ مَكْتُوم، وإخوانِهما شيوخِ الإماراتِ الذينَ انتقلُوا إلى رحمتِكَ، اللَّهُمَّ أَنْزِلْهُم مُنْزَلاً مُبَارَكًا، وأَفِضْ عَلَيْهِم مِنْ رَحَمَاتِكَ وَبَرَكَاتِكَ، وَاجْعَلْ مَاقَدَّموا فِي مِيزَانِ حَسَنَاتِهِم يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، اللَّهُمَّ اغفر للشَّيْخِ زَايِد، والشَّيْخِ مَكْتُوم، وإخوانِهما شيوخِ الإماراتِ الذينَ انتقلُوا إلى رحمتِكَ، اللَّهُمَّ أَنْزِلْهُم مُنْزَلاً مُبَارَكًا، وأَفِضْ عَلَيْهِم مِنْ رَحَمَاتِكَ وَبَرَكَاتِكَ، وَاجْعَلْ مَاقَدَّموا فِي مِيزَانِ حَسَنَاتِهِم يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا رئيسَ الدولةِ الشَّيْخَ خليفة بنَ زايد وَنَائِبَهُ الشَّيْخَ محمَّدَ بنَ راشدٍ إِلَى مَاتُحِبُّهُ وَتَرْضَاهُ، وَأَيِّدْ إِخْوَانَهُما حُكَّامَ الإِمَارَاتِ أجمعين، اللَّهُمَّ اسقِنَا الغيثَ ولاَ تجعَلْنَا مِنَ القانطينَ، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا منْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ وَأَنْبِتْ لنَا منْ بَرَكَاتِ الأَرْضِ، اللَّهُمَّ أَدِمْ عَلَى دولةِ الإماراتِ الأَمْنَ والأَمَانَ وَعلَى سَائِرِ بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ. اذْكُرُوا اللَّهَ الْعَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشكرُوهُ علَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ (وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ).
أَمَّا بَعْدُ: فيَا عبادَ اللهِ أُوصيكُمْ ونَفْسِي بتقْوَى اللهِ عزَّ وجلَّ، وأَحثُّكُمْ علَى طاعتِهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)
أيهَا المسلمونَ: لقَدِ حفلَت آياتُ القرآنِ الكريمِ والسنةُ النبويةُ المطهرةُ بالنصوصِ التِي تُرشِدُنَا إلَى أهميةِ الحوارِ فِي حياةِ الناسِ، وتُعلِّمُنَا حُسْنَ الاستماعِ إلَى الآخرينَ، وقَدْ ذكَرَ القرآنُ الكريمُ الحوارَ فِي قصةِ خَلْقِ الإنسانِ، وسؤالَ الملائكةِ لربِّ العالمينَ، قالَ تعالَى: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) فاستجابَتِ الملائكةُ لأمْرِ اللهِ تعالَى كمَا قالَ عَزَّ مِنْ قائلٍ: (فَسَجَدَ المَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ* إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ) وقَدْ سأَلَ اللهُ تعالَى إبليسَ عَنْ سبَبِ عِصيانِهِ فقَالَ سبحانَهُ : (يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ* قَالَ لَمْ أَكُن لأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَأٍ مَّسْنُونٍ) يَا لَهُ مِنْ درْسٍ عظيمٍ نُدرِكُ مِنْ خلالِهِ أهميةَ الحوارِ فِي حياتِنَا، ونتعلَّمُ منْهُ حُسْنَ الإصغاءِ للآخرينَ ولَوْ كانُوا غيْرَ مُحِقِّينَ. أيُّهَا المؤمنونَ: لقَدْ تَحاوَرَ سيدُنَا نوحٌ وهودٌ وإبراهيمُ وشعيبٌ وموسَى عليهمُ السلامُ مَعَ أقوامِهِمْ، وقَصَّ علينَا القرآنُ الكريمُ محاوراتِهِمْ، وجاءَ فِي القرآنِ الكريمِ حِوارٌ جَرَى بيْنَ رَجُلَيْنِ أَنْعَمَ اللهُ تعالَى علَى أحدِهِمَا بِجَنَّتَيْنِ، آية فِي الجمالِ وتنَوُّعِ الثِّمَارِ، فسَوَّلَتْ لهُ نفسُهُ فاغْتَرَّ بِمَا عندَهُ، وأنكرَ الإيمانَ والدارَ الآخرةَ، فكانَ صاحبُهُ المؤمنُ يُحاورُهُ بأدَبٍ، وينصَحُهُ بلُطْفٍ، قَالَ سبحانَهُ وتعالَى: (قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً ) وفِي نِهايةِ القصةِ ندِمَ الرجلُ علَى مَا اقترَفَ، قالَ تعالَى مُخبِرًا عنهُ: (يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً ) ونتعلَّمُ مِنْ هذهِ القصةِ أَدَبَ الحوارِ واستخدامَ اللينِ معَ الآخرينَ.
عبادَ اللهِ: إنَّ الحوارَ هامٌّ فِي حياتِنَا، فعلينَا أَنْ نُعلِّمَهُ أبناءَنَا وبناتِنَا، ونمارسَهُ بآدابِهِ وأخلاقِهِ فِي العلاقاتِ بينَ الأزواجِ والزوجاتِ، وبينَ الآباءِ والأبناءِ، وبينَ المعلمينَ والطلابِ، تأمَّلُوا هذَا الحوارَ التربوِيَّ الذِي ورَدَ فِي السنةِ النبويةِ المطهرةِ، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضيَ اللهُ عنهُمَا قَالَ: أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِلَبَنٍ وَعَنْ يَمِينِهِ ابْنُ عَبَّاسٍ-وكانَ صغيرَ السِّنِّ- وَعَنْ يَسَارِهِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لاِبْنِ عَبَّاسٍ :« أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أَسْقِىَ خَالِدًا؟». قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا أُحِبُّ أَنْ أُوثِرَ بِسُؤْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى نَفْسِي أَحَدًا. فَأَخَذَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَشَرِبَ، وَشَرِبَ خَالِدٌ. مَا أروعَهُ مِنْ حوارٍ فيهِ احترامٌ لمشاعرِ الصغيرِ، واستماعٌ لرأيِهِ.
أيُّهَا المسلمونَ: إنَّ مِنْ أسبابِ نجاحِ الحوارِ الهادفِ الابتعادَ عَنِ الجدالِ بالباطلِ لأنَّهُ يُستخدَمُ لقَلْبِ الحقيقةِ مِنْ غيرِ هُدًى ولاَ دليلٍ ولاَ حجَّةٍ ولاَ بُرهانٍ، قالَ تعالَى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ) فالحوارُ الهادفُ ينجَحُ بالحكمةِ، وباستخدامِ أفضَلِ السبُلِ للإقناعِ، قالَ سبحانَهُ : (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) والحوارُ بالتِي هيَ أحسنُ يستلزِمُ احترامَ الآخرِ، والصبْرَ عليهِ وعدمَ مقاطعتِهِ أثناءَ حديثِهِ أَوْ بيانِ رأْيِهِ، كمَا يستلزِمُ حُسْنَ الظنِّ بهِ، والحرصَ علَى عدمِ تحويلِ الحوارِ إلَى جَدَلٍ وخصامٍ، قَالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:« إِنَّ أَبْغَضَ الرِّجَالِ إِلَى اللَّهِ الأَلَدُّ الْخَصِمُ» . فليكُنِ الحوارُ الهادفُ منهجًا لنَا، نستخدِمُهُ فِي حَلِّ مُشكلاتِنَا، وإدارةِ شؤونِنَا. نَسألُ اللهَ تعالَى أَنْ يوَفِّقَنَا لطاعتِه وطاعةِ مَنْ أمرَنَا بطاعتِهِ, عملاً بقولِهِ تعالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ( نفعَنِي اللهُ وإياكُمْ بالقرآنِ العظيمِ وبِسنةِ نبيهِ الكريمِ صلى الله عليه وسلم . أقولُ قولِي هذَا وأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي ولكُمْ. الخُطْبَةُ الثَّانية الحَمْدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ذُو الجَلالِ والإِكرامِ، وأَشْهَدُ أَنَّ سيدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ سَيِّدُ الأَنَامِ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ. أمَّا بعدُ: فاتقُوا اللهَ عبادَ اللهِ واعلمُوا أنَّ منهجيةَ الحوارِ فِي القرآنِ الكريمِ تُعلِّمُنَا أنَّ الحوارَ يكونُ مِنْ أجْلِ تصحيحِ الأفكارِ، والوصولِ إلَى النتائجِ الطيبةِ التِي تخدمُ مصالِحَ الناسِ، وتُسهِمُ فِي تقدُّمِ المجتمعِ، فبالحوارِ الهادئِ تزدادُ الأُسرةُ تماسكًا، ويتفاهَمُ الأصدقاءُ معَ بعضِهِمْ، وبالحوارِ ننجَحُ فِي الوصولِ إلَى التعايشِ بينَ أفرادِ المجتمعِ، ونحقِّقُ معانِيَ القِيَمِ الإنسانيةِ والحضاريةِ الراقيَة. عبادَ اللهِ: إنَّ اللهَ أمرَكُمْ بِأَمْرٍ بَدَأَ فيهِ بنفْسِهِ وَثَنَّى فيهِ بملائكَتِهِ فقَالَ تَعَالَى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) وقالَ رسولُ اللهِ صلى الله علي هوسلم :« مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْراً» اللهمَّ إنَّا نسألُكَ أَنْ تجعلَ صلواتِكَ وتسليماتِكَ وبركاتِكَ علَى حبيبِكَ ورسولِكَ سيدِنَا محمدٍ، وعلَى آلِهِ الأطهارِ الطيبينَ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وعلَى سائرِ الصحابِةِ الأكرمينَ، وعَنِ التابعينَ ومَنْ تبعَهُمْ بإحسانٍ إلَى يومِ الدينِ، اللهمَّ إنَّا نسألُكَ صحةَ إيمانٍ، وإيماناً فِي حُسْنِ خُلُقٍ، ونجاحاً يتبعُهُ فلاحٌ ورحمةٌ منكَ وعافيةٌ ومغفرةٌ، اللهمَّ حببْ إلينَا الإيمانَ وزيِّنْهُ فِي قلوبِنَا، واجعلْنَا مِنَ الراشدينَ، اللهمَّ إنَّا نَسألُكَ مِمَّا سَألَكَ منهُ سيدُنَا مُحمدٌ صلى الله عليه وسلم ونَعُوذُ بِكَ مِمَّا تَعوَّذَ مِنْهُ سيدُنَا مُحمدٌ صلى الله عليه وسلم اللَّهُمَّ اشفِ مَرْضَانَا وارْحَمْ مَوْتَانَا، اللَّهُمَّ اغفر للشَّيْخِ زَايِد، والشَّيْخِ مَكْتُوم، وإخوانِهما شيوخِ الإماراتِ الذينَ انتقلُوا إلى رحمتِكَ، اللَّهُمَّ أَنْزِلْهُم مُنْزَلاً مُبَارَكًا، وأَفِضْ عَلَيْهِم مِنْ رَحَمَاتِكَ وَبَرَكَاتِكَ، وَاجْعَلْ مَاقَدَّموا فِي مِيزَانِ حَسَنَاتِهِم يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، اللَّهُمَّ اغفر للشَّيْخِ زَايِد، والشَّيْخِ مَكْتُوم، وإخوانِهما شيوخِ الإماراتِ الذينَ انتقلُوا إلى رحمتِكَ، اللَّهُمَّ أَنْزِلْهُم مُنْزَلاً مُبَارَكًا، وأَفِضْ عَلَيْهِم مِنْ رَحَمَاتِكَ وَبَرَكَاتِكَ، وَاجْعَلْ مَاقَدَّموا فِي مِيزَانِ حَسَنَاتِهِم يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا رئيسَ الدولةِ الشَّيْخَ خليفة بنَ زايد وَنَائِبَهُ الشَّيْخَ محمَّدَ بنَ راشدٍ إِلَى مَاتُحِبُّهُ وَتَرْضَاهُ، وَأَيِّدْ إِخْوَانَهُما حُكَّامَ الإِمَارَاتِ أجمعين، اللَّهُمَّ اسقِنَا الغيثَ ولاَ تجعَلْنَا مِنَ القانطينَ، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا منْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ وَأَنْبِتْ لنَا منْ بَرَكَاتِ الأَرْضِ، اللَّهُمَّ أَدِمْ عَلَى دولةِ الإماراتِ الأَمْنَ والأَمَانَ وَعلَى سَائِرِ بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ. اذْكُرُوا اللَّهَ الْعَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشكرُوهُ علَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ (وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ).