المبحث الأول
مقدمه
على مدى طويل تعاونت مجموعة من فقهاء القانون لوضع تقسيم واضح يبين من خلاله أفرع القانون المختلفة، كانت البداية من نصيب الفقهاء التقليديين الذين قسموا القانون إلى قسم خاص وآخر عام . أما الفقهاء الحديثون فقد قسموا القانون إلى قانون داخلي وآخر دولي، ومن الأخير أفرزوا القانون الجنائي الدولي ، القانون الذي شطر الفقهاء إلى شطرين ، شطر يسميه القانون الدولي الجنائي وآخر يسميه القانون الجنائي الدولي، نحن من خلال هذه الدراسة سنأخذ بتسمية القانون الجنائي الدولي متبعين مفهوم الفقه الأنجلوسكسوني.
في هذه الدراسة سنتحدث عن القانون الجنائي الدولي بعرض خلاصة ماتوصل اليه الفقهاء من اراء حوله بالاضافة الى ما جاء في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية وبذلك سيكون موضوعنا على النحو التالي:
الفصل الأول: مفهوم القانون الجنائي الدولي ومصادره
الفصل الثاني: المسئولية الجنائية الدولية
الفصل الثالث: الجريمة الدولية وأنواعها
الفصل الرابع: نظام تسليم المجرمين
الفصل الخامس: القضاء الجنائي الدولي
مفهوم القانون الجنائي الدولي
عزمت الدول منذ القدم على إقامة العلاقات فيما بينها بل دأبت دوماً على تعزيزها والبذل من أجل ازدهارها إلا ان لكل شيء في العالم إيجابياته وسلبياته ، فتكونت مع مرور الزمن فترات توتر وأزمات بين الدول الأمر الذي دفعها إلى التفاقم حتى قامت الحروب والأزمات وساد منطق القوة على بعض العلاقات الدولية فأورث البشرية الخسائر والويلات ، والحروب وما يلحق بها من أحداث قتل وتدمير وتخريب لم تقتصر على زمن من الأزمان أو حقبة من الحقبات بل استمرت معها الانتهاكات الجسيمة للبشرية جمعاء مولدة أزمات جديدة ، الأمر الذي دفع نخبة من البشر للعمل على الحد من هذه الحروب ووضع نظام يحاسب مجرميها .
من هنا ظهرت أهمية القانون الجنائي الدولي على اعتبار أنه قانون يوقع العقوبة على منتهكي النظام العام الدولي في أشد صور الانتهاك من حيث الجسامة ، حيث أن القانون لا يحاسب فقط على قتل إنسان أو إصابته بل هو قانون يعمل على محاسبة الجرائم التي تتمثل في الحرب وما يحدث فيها من فظائع ضد الإنسانية مثل إبادة جنس بشري معين ، أو تدمير البيئة الطبيعية أو تعمد توجيه هجمات ضد السكان المدنيين أو ضد مواقع لا تشكل أهدافاً عسكرية أو قتل المقاتل الذي يسلم سلاحه ويستسلم مختار أو استخدام الأسلحة السامة الضارة .
إذا السؤال الذي يطرح نفسه هنا ما هو القانون الجنائي الدولي ؟ أي ما تعريفه ومفهومه ؟
اجتهد العديد من فقهاء القانون على وضع تعاريف عديدة يوضحون من خلالها المقصود بالقانون الجنائي الدولي ، فاتفقت مجموعة منهم على أن القانون الجنائي الدولي هو (( القواعد القانونية الناشئة عن المعاهدات الخاصة بالمساعدات الدولية في شأن تطبيق النصوص الجنائية الوطنية ، مثال القواعد الخاصة بتسليم المجرمين وتنفيذ الأحكام الأجنبية ، والإنابات القضائية ، كاستجواب متهم أو شاهد أو ضابط هارب )) ( )
إلا أننا نرى أن مثل هذا التعريف يعتبر تعريفاً ضيقاً للمفهوم الحقيقي للقانون الجنائي الدولي وذلك يعود إلى أن التعريف السابق يركز على المجرمين العاديين أي الذين يقومون بجرائم تسري عليها من حيث الأصل قواعد القانون الداخلي (قانون الدولة) ويدخل فيها اختصاص القانون الدولي عند هروب المتهم أو فراره فيتم إعمال المعاهدة التي دخلت بها الدولة التي تسعى للإمساك بالمتهم وكما أسلفنا سابقاً أن حاجة للقانون الجنائي الدولي ظهرت للحد من الانتهاكات التي تحصل في الحروب كقتل المقاتل المستسلم اختيارا أو استعمال الأسلحة السامة أو إبادة جنس معين من البشر أو بمعنى أصح أن هذا التعريف لا يتعرض للانتهاكات الجسيمة أو الخطيرة على الجنس البشري بل على مجرم فار من العدالة .
وبالتالي فإن انتقادنا لهذا التعريف هو أنه تعريف يركز على إتاحة الفرصة لتطبيق القانون الوطني تطبيقاً فاعلاً ومنتجاً أي لا يتناول تنظيم الجرائم الدولية .
هذا التعريف دفع فريقاً من الفقهاء إلى وضع تعريف آخر وهو ((القواعد القانونية التي قررتها بعض المعاهدات في شأن الجرائم ذات الخطورة التي لا تقتصر على دولة واحدة ، وإنما تمتد إلى عدد من الدول بالنظر إلى كون مرتكبيها أعضاء في عصابات دولية تباشر نشاطها في أقاليم دول مختلفة ، مثال ذلك جرائم الاتجار في الرقيق وتهريب المخدرات ، وجرائم تزييف العملة والمسكوكات ، وجرائم الاتجار في النساء والأطفال من أجل الفجور والدعارة )) ( )
يتناول هذا التعريف الجرائم التي ترد عادة في نصوص القانون الجنائي الدولي أي القانون الوطني الداخلي للدولة فهو يعالج جرائم ينص عليها القانون والتعريف يحاول أن يسهل من إعمال قواعد القانون الوطني وبالتالي فانه لا يعد صحيحا إطلاق صفة القانون الجنائي الدولي على هذه الطائفة من الجرائم بالمعنى الذي نسعى إليه في هذه الدراسة نعم يمكن أن تصبح هذه الجرائم جرائم دولية عند توافر شروط معينة مثال ان يحدث فعل ضار لدولة اخرى كمسألة من مسائل القانون الدولي الخاص ولكن ذلك لا يعني أنه تعريف موضح لمفهوم القانون الجنائي الدولي .
إلا أن التعريف الأقرب للصحة هو تعريف الفقيه (Graven) حين قال: (هو مجموعة من القواعد القانونية المعترف بها في العلاقات الدولية والتي يكون الغرض منها حماية النظام الاجتماعي الدولي بالمعاقبة على الأفعال التي تتضمن اعتداء عليه) ( )
إذا يمكن لنا تعريف القانون الجنائي الدولي على انه:
القواعد القانونية المحددة للأفعال التي تعد جرائما دولية والموضحة للجزاءات الجنائية المستحقة على مرتكبيها والمعتمدة في نطاق العلاقات الدولية.
من التعريف نستطيع أن نستشف أن القاعدة القانونية حتى نتعرف عليها ونصنفها على أنها قاعدة تنظم مسالة من مسائل القانون الجنائي الدولي فإنها لابد وان تتمتع بخاصتين هما:
1. الخاصية الجنائية.
2. الخاصية الدولية.
والآتي الحديث عن كل منهما:
-1-
(الخاصية الجنائية)
لا يغيب عن ذهن أي فقيه أو باحث في الحقل الجنائي المبدأ الأساسي لأي تشريع جنائي وهو مبدأ المشروعية القاضي بأن لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص قانوني أي أن الفعل لا يدخل تحت طائلة التجريم إلا ان كان مجرما فعلا والأمر سيان في العقوبة حيث أنه لا يجوز أن توقع أية عقوبة من غير أن يكون لها سند من نص القانون .
وعليه فإن القاعدة يجب وأن تحمل خاصية تحديد الجريمة والنص على جزاء من يرتكب الجريمة .
وبمعنى أصح فانه يقصد بمبدأ المشروعية وجوب النص على الجريمة وعلى عقابها في القانون ، فالقانون يتولى مهمة ايضاح السلوكيات التي تعتبر جرائم وهو الذي يحدد العقوبات التي توقع على مرتكبيها.
ومن مسؤوليتنا أن نوضح أن الشريعة الاسلامية الغراء قد سبقت القوانين الوضعية في تقرير هذا المبدأ منذ مايقارب الأربعة عشر قرنا من الزمان ، قال سبحانه وتعالى في سورة القصص الآية 59 : (( وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا يتلو عليهم آياتنا )) وفي سورة الاسراء الآية 15 قال تعالى : (( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا )) و قال سبحانه : ((لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل )) . هذه الآيات العظيمة التي وردت في مواطن مختلفة من سور القرآن الكريم تبين لنا حال الناس قبل ارسال الرسل وحالهم بعد ارسال الرسل فالله سبحانه وتعالى يوضح للناس رحمته على عدم محاسبة الناس في الاعمال التي لايعرفون ان كانت آثمة أم جائزة حتى يرسل اليهم رسله ويبين لهم الصواب وعند العلم تتم المحاسبه والحال نفسه عندنا في القوانين والتشريعات الحديثة ان لا جريمة و لا عقوبة الا بنص القانون عليها ، وهذه الآيات الكريمة قد تفرع منها قواعد أصولية عديدة تؤكد مبدأ الشرعية مثل القاعدة الشرعية (( لا حكم لأفعال العقلاء قبل ورود النص )) وتعني أن افعال المكلف لا يمكن وصفها بأنها محرمة ما لم يرد نص يقضي بتحريمها .
-2-
(الخاصية الدولية)
ينبغي لمعرفة هذه الخصيصة الإلمام بأمر هام وهو عدم الخلط بين القواعد الخاصة بالقانون الجنائي الدولي وقواعد القانون الدولي الخاص حيث أن الأخيرة تتناول مواضيع تنازع القوانين الوطنية للدول ولا تركز في نصوصها على تجريم الأفعال بل مهمتها قاصرة على تنظيم الاجراءات حسب موضوع كل نزاع، الا انه في حال ما إذا نشأت مشكلة حول جريمة دولية فإن مسألة تنظيم الإجراءات التالية لوقوع الجريمة الدولية يندرج تحت نطاق قواعد القانون الجنائي الدولي فهي قواعد لها جوانب شكلية وأخرى موضوعية أي بمعنى أوضح أن الجريمة الدولية هي أساس الموضوع في القانون الجنائي الدولي .
وكذلك ينبغي عدم الخلط بين القانون الدولي العام والقانون الجنائي الدولي وذلك لان الدولية في الأول تنحصر في العلاقات الدولية بينما الدولية في الثاني تتجاوز الحد الذي يتوقف عنده القانون الدولي العام ليكون هناك الفرد الذي أما يكون جانيا أو مجنيا عليه.
بعد أن عرفنا القانون الجنائي الدولي بأنه القواعد القانونية المحددة للأفعال التي تعد جرائماً دولية والموضحة للجزاءات الجنائية المستحقة على مرتكبيها والمعتمدة في نطاق العلاقات الدولية، وأن القاعدة القانونية حتى تكون منظمة للقانون الجنائي الدولي يجب أن تتسم بخاصتين الجنائية والدولية فإنه يلزم علينا التعرف على أهداف هذا القانون .
(أهداف القانون الجنائي الدولي)
المصالح المشتركة لأعضاء المجتمع الدولي كانت ولا تزال محط اهتمام من قبل حماة المجتمع الدولي ، هذه المصالح جاء ذكرها في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية مثل تجريم الإبادة الجماعية التي تهدف إلى إنهاء نسل طائفة معينة مثال ذلك ما قام به الصرب ضد المسلمين في البوسنة والهرسك من عمليات أطلقوا عليها عمليات التطهير العرقي أو ما قام به هتلر النازية من وضع الطائفة اليهودية بأفران حرارية وتركهم للموت أو ما قام به الطاغية المخلوع صدام حسين من إطلاق السلاح الكيميائي على الأكراد فهذه المصلحة (( تحريم الإبادة الجماعية)) تعني (( أي فعل من الأفعال التالية يرتكب بقصد إهلاك جماعة قومية أو اثنية أو عرقية أو دينية بصفتها هذه هلاكاً كلياً أو جزئياً :ـ
أ) قتل أفراد الجماعة .
ب) إلحاق ضرر جسدي أو عقلي جسيم بأفراد الجماعة .
ج) إخضاع الجماعة عمداً لأحوال معيشية يقصد بها إهلاكها الفعلي كلياً أو جزئياً .
د) فرض تدابير تستهدف منع الإنجاب داخل الجماعة .
ه) نقل أطفال الجماعة عنوة إلى جماعة أخرى . ))( )
وكذلك عد من قبيل مصالح المجتمع الدولي احترام قواعد الحرب المتعارف عليها ( ) وعدم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية مثل ما يحدث من إبعاد لسكان القرى والمناطق الفلسطينية الأصليين وإخراجهم قسراً وبالقوة من قبل القوات الإسرائيلية ، وكذلك ما قام به النظام العراقي البائد من إخراج عدد من المواطنين الكويتيين من منازلهم وتحويلها إلى ثكنات عسكرية وسط الأحياء المدنية ((مخالفة البند (د) من المادة (7) النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية)) ، ويدخل في إطار الجرائم ضد الإنسانية ما تقوم به القوات الأمريكية لمعتقلي جوانتانامو من حرمان شديد للحرية البدنية كتكبيل اليدين والأرجل وتغطية الأعين ووضعهم في سجون تحت نوع خاص من الأشعة ((مخالفة البند (هـ) من المادة (7) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية)) .
بهذه الانتهاكات والجرائم يأتي القانون الجنائي الدولي لوضع جزاء عادل يتناسب مع جسامة الفعل المرتكب حتى يحقق الهدف الأساسي من القانون وهو تعزيز مفهوم العدالة في المجتمع الدولي .
يتضح جلياُ أن القانون الجنائي الدولي يهدف إلى الوقاية من الجرائم، والوقاية تتوفر عن طريق نصوص المحكمة الجنائية الدولية التي تدفع أعضاء المجتمع الدولي إلى الابتعاد عن ارتكاب الجرائم المنصوص عليها والتي يهدف القانون إلى تجريمها ، في تحقيق هذا الدور الوقائي .
(المبحث الثاني)
مصادر القانون الجنائي الدولي
يقصد بمصادر القانون الجنائي الدولي : المنابع التي تستقي منها القاعدة القانونية أساسها ومنشأها وبها ترسم حدودها .
والمصادر نوعان :
1. مصادر رئيسية .
2. مصادر ثانوية .
1- المصادر الرئيسية :ـ
ورد في المادة (21) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ترتيب المصادر إلى مقامات مقسمة على بنود حيث جاء في البند الأول من النظام الأساسي للمحكمة نفسها وقواعد الإثبات الخاصة فيها ثم البند الثاني المعاهدات واجبة التطبيق ومبادئ القانون الدولي وقواعده بما فيها تلك المتعلقة بالنزاعات المسلحة (الحرب) .
ويلي البند الثاني البند الثالث المبادئ القانونية المستخلصة من القوانين الوطنية على ألا تتعارض مع نظام المحكمة الأساسي .
وعليه فإن المصادر الأساسية تشمل :ـ
1- النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية .
2- المعاهدات المواثيق الدولية .
3- مبادئ القانون الدولي وقواعده .
-1-
( النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية )
مثلما ذكرنا في المبحث السابق من أن القانون الجنائي الدولي يتمتع بخاصيتين أحدهما الخاصية الجنائية والتي تحوي على مبدأ المشروعية والذي يعني أن لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص القانون ، والقانون الجنائي الدولي وضح لنا الجريمة وأنواعها في نصوصه ووضح لنا العقوبات المترتبة على إرتكابها وبالفعل جاء في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ما يؤكد على مبدأ لا جريمة إلا بنص ((لا يسأل الشخص جنائياً بموجب هذا النظام الأساسي ما لم يشكل السلوك المعني وقت وقوعه جريمة تدخل في اختصاص المحكمة)) ( )
وجاء كذلك تعزيز مبدأ لا عقوبة إلا بنص (( لا يعاقب أي شخص إدانته المحكمة إلا وفقاً لهذا النظام الأساسي)) ( )
- 2 -
(المعاهدات والمواثيق الدولية)
تأتي المعاهدات والمواثيق الدولية في ثاني المصادر الرئيسية والمعاهدات (( تعني اتفاق دولي يعقد بين دولتين أو أكثر كتابة ويخضع للقانون الدولي سواء تم في وثيقة أو أكثر وأياً كانت التسمية التي تطلق عليها)) ( )
وتنقسم المعاهدات إلى نوعين :ـ
1. النوع الأول :ـ
المعاهدات التي تعقد بين دولتين أو أكثر في أمر متعلق بها وهي لا تلزم غير الأطراف الموقعين عليها . ( )
2. النوع الثاني :ـ
المعاهدات التي تعقد بين عدد غير محدد من الدول في أمور تعنيهم جميعاً وتهمهم ويقرر النظام الأساسي للمحكمة فيما إذا كانت المعاهدات التي تطبقها المحكمة هي معاهدات واجبة التطبيق أو العكس ، ويعني بالمعاهدات واجبة التطبيق هي التي تتضمن قواعد خاصة بالقانون الجنائي الدولي .
والجدير بالذكر أن القواعد التي تحكم إبرام المعاهدات الدولية وتحديد ما يترتب عليها من آثار تضمنتها اتفاقية فيينا الخاصة بقانون المعاهدات الدولية لعام 1969م والتي دخلت حيز النفاذ عام 1980م.
- 3 -
(مبادئ القانون الدولي وقواعده )
اعتبر النظام الأساسي مبادئ القانون الدولي وقواعده مصدراً رئيسياً من مصادر القانون الجنائي الدولي ، مما يؤكد الصلة الوثيقة بين القانونين ، ومبادئ القانون الدولي وقواعده يستوي فيها أن تكون مكتوبة أو غير مكتوبة ، وفي هذا الجانب يبرز دور العرف بين مصادر القانون الجنائي الدولي ، فغالبية مبادئ القانون الدولي وقواعده مصدرها العرف ، وما نص عليه النظام الأساسي من مصادر أساسية (المعاهدات والمواثيق الدولية) ثم تلاها بمبادئ القانون الدولي وقواعده فإنه يعني من ذلك المبادئ والقواعد التي لم تركز في المعاهدات ، إن المبادئ المستخلصة من العرف الدولي باعتباره أحد أهم مصادر القانون الدولي في قواعده غير المكتوبة .
تشمل المبادئ المقررة في القانون الدولي للمنازعات المسلحة وتعني تلك المبادئ التي تتضمنها قوانين الحرب وأعرافها ، والغاية من تحديد هذه القواعد تعود إلى المبادئ والقواعد الخاصة بتحديد مفهوم العدوان ، والأفعال التي تتحقق بها جريمة الحرب العدوانية.
2- المصادر الثانوية :ـ
المصادر الثانوية الوارد ذكرها في النظام الأساسي هي : المبادئ القانونية العامة ، ومبادئ القانون المستمدة من المحاكم الدولية ، والعرف الدولي .
- 1 -
(المبادئ القانونية العامة)
تعرف هذه المبادئ بأنها المبادئ الأساسية التي تعتمد عليها مختلف الأنظمة القانونية في عدد من الدول. ولا يعني ذلك أن تكون المبادئ قاصرة للتطبيق على الأفراد وعلاقاتهم بل يسري تطبيقها على العلاقات الدولية.
وفي حقيقة الأمر يتم اللجوء إلى هذه المبادئ عند عجز المصادر الأصلية سابقة الذكر وحول هذا المعنى جاء في ميثاق روما شروط اللجوء إلى هذه المبادئ.
1- "أن تكون هذه المبادئ مستخلصة من القوانين الوطنية للنظم القانونية في العالم، بما في ذلك القوانين الوطنية للدول التي تكون لها ولاية على الجريمة.
2- ألا نتعارض هذه المبادئ مع النظام الأساسي ولا مع القانون الدولي ولا مع القواعد والمعايير المعترف بها دولياً.
3- أن تكون هذه المبادئ متسقة مع حقوق الإنسان المعترف بها دولياً، وألا يترتب على تطبيقها أي تمييز بين الأفراد."*
-2-
( مبادئ القانون المستمدة من المحاكمة الدولية )
يعني بالمبادئ القانونية المستمدة من قبل المحاكم الدولية تلك الآراء الفقهية التي يدلي بها فقهاء القانون وشراحة أو الأحكام التي تصدرها المحاكم المختلفة في شتى دول العالم، وتعتبر مصادر ثانوية استثنائية يتم اللجوء إليها على وجه الاستدلال.
وفي هذا الخصوص ورد في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الدائمة توضيح بشأن الأخذ بآراء المحاكم حيث قصرت على الآراء التي تصدرها المحكمة نفسها "الجنائية الدولية الدائمة".
-3-
( العرف الدولي)
لا يعد العرف مصدراً يتم تنفيذ العقاب بموجبه لأن للقانون الجنائي الدولي خاصية جنائية تقضي بأن لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص من القانون كما نوهنا سابقاً وورد في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية توضيح تمسكها بمبدأ المشروعية القاضي بأن لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص قانوني "المادة 23" والمادة "23".
بالنسبة للمادة "22" جاء في الفقرة الأولى "لا يسأل الشخص جنائياً.... ما لم يشكل السلوك المعنى وقت وقوعه جريمة تدخل في اختصاص المحكمة" ثم ورد في النظام الأساسي المادة (23) لا يعاقب أي شخص أدانته المحكمة إلا وفقاً لهذا النظام الأساسي.
إلا أن عدداً لا يستهان به من الفقهاء الغربيين وبالذات المحدثين منهم لم ينكروا العرف كمصدر في أمور متعلقة بالعلاقات الدولية، فهم قصروه في هذا الحيز لا على حيز العقوبة أو التجريم توافقاً مع الأديان السماوية والأخلاق الإنسانية والمنطق السليم.
مقدمه
على مدى طويل تعاونت مجموعة من فقهاء القانون لوضع تقسيم واضح يبين من خلاله أفرع القانون المختلفة، كانت البداية من نصيب الفقهاء التقليديين الذين قسموا القانون إلى قسم خاص وآخر عام . أما الفقهاء الحديثون فقد قسموا القانون إلى قانون داخلي وآخر دولي، ومن الأخير أفرزوا القانون الجنائي الدولي ، القانون الذي شطر الفقهاء إلى شطرين ، شطر يسميه القانون الدولي الجنائي وآخر يسميه القانون الجنائي الدولي، نحن من خلال هذه الدراسة سنأخذ بتسمية القانون الجنائي الدولي متبعين مفهوم الفقه الأنجلوسكسوني.
في هذه الدراسة سنتحدث عن القانون الجنائي الدولي بعرض خلاصة ماتوصل اليه الفقهاء من اراء حوله بالاضافة الى ما جاء في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية وبذلك سيكون موضوعنا على النحو التالي:
الفصل الأول: مفهوم القانون الجنائي الدولي ومصادره
الفصل الثاني: المسئولية الجنائية الدولية
الفصل الثالث: الجريمة الدولية وأنواعها
الفصل الرابع: نظام تسليم المجرمين
الفصل الخامس: القضاء الجنائي الدولي
مفهوم القانون الجنائي الدولي
عزمت الدول منذ القدم على إقامة العلاقات فيما بينها بل دأبت دوماً على تعزيزها والبذل من أجل ازدهارها إلا ان لكل شيء في العالم إيجابياته وسلبياته ، فتكونت مع مرور الزمن فترات توتر وأزمات بين الدول الأمر الذي دفعها إلى التفاقم حتى قامت الحروب والأزمات وساد منطق القوة على بعض العلاقات الدولية فأورث البشرية الخسائر والويلات ، والحروب وما يلحق بها من أحداث قتل وتدمير وتخريب لم تقتصر على زمن من الأزمان أو حقبة من الحقبات بل استمرت معها الانتهاكات الجسيمة للبشرية جمعاء مولدة أزمات جديدة ، الأمر الذي دفع نخبة من البشر للعمل على الحد من هذه الحروب ووضع نظام يحاسب مجرميها .
من هنا ظهرت أهمية القانون الجنائي الدولي على اعتبار أنه قانون يوقع العقوبة على منتهكي النظام العام الدولي في أشد صور الانتهاك من حيث الجسامة ، حيث أن القانون لا يحاسب فقط على قتل إنسان أو إصابته بل هو قانون يعمل على محاسبة الجرائم التي تتمثل في الحرب وما يحدث فيها من فظائع ضد الإنسانية مثل إبادة جنس بشري معين ، أو تدمير البيئة الطبيعية أو تعمد توجيه هجمات ضد السكان المدنيين أو ضد مواقع لا تشكل أهدافاً عسكرية أو قتل المقاتل الذي يسلم سلاحه ويستسلم مختار أو استخدام الأسلحة السامة الضارة .
إذا السؤال الذي يطرح نفسه هنا ما هو القانون الجنائي الدولي ؟ أي ما تعريفه ومفهومه ؟
اجتهد العديد من فقهاء القانون على وضع تعاريف عديدة يوضحون من خلالها المقصود بالقانون الجنائي الدولي ، فاتفقت مجموعة منهم على أن القانون الجنائي الدولي هو (( القواعد القانونية الناشئة عن المعاهدات الخاصة بالمساعدات الدولية في شأن تطبيق النصوص الجنائية الوطنية ، مثال القواعد الخاصة بتسليم المجرمين وتنفيذ الأحكام الأجنبية ، والإنابات القضائية ، كاستجواب متهم أو شاهد أو ضابط هارب )) ( )
إلا أننا نرى أن مثل هذا التعريف يعتبر تعريفاً ضيقاً للمفهوم الحقيقي للقانون الجنائي الدولي وذلك يعود إلى أن التعريف السابق يركز على المجرمين العاديين أي الذين يقومون بجرائم تسري عليها من حيث الأصل قواعد القانون الداخلي (قانون الدولة) ويدخل فيها اختصاص القانون الدولي عند هروب المتهم أو فراره فيتم إعمال المعاهدة التي دخلت بها الدولة التي تسعى للإمساك بالمتهم وكما أسلفنا سابقاً أن حاجة للقانون الجنائي الدولي ظهرت للحد من الانتهاكات التي تحصل في الحروب كقتل المقاتل المستسلم اختيارا أو استعمال الأسلحة السامة أو إبادة جنس معين من البشر أو بمعنى أصح أن هذا التعريف لا يتعرض للانتهاكات الجسيمة أو الخطيرة على الجنس البشري بل على مجرم فار من العدالة .
وبالتالي فإن انتقادنا لهذا التعريف هو أنه تعريف يركز على إتاحة الفرصة لتطبيق القانون الوطني تطبيقاً فاعلاً ومنتجاً أي لا يتناول تنظيم الجرائم الدولية .
هذا التعريف دفع فريقاً من الفقهاء إلى وضع تعريف آخر وهو ((القواعد القانونية التي قررتها بعض المعاهدات في شأن الجرائم ذات الخطورة التي لا تقتصر على دولة واحدة ، وإنما تمتد إلى عدد من الدول بالنظر إلى كون مرتكبيها أعضاء في عصابات دولية تباشر نشاطها في أقاليم دول مختلفة ، مثال ذلك جرائم الاتجار في الرقيق وتهريب المخدرات ، وجرائم تزييف العملة والمسكوكات ، وجرائم الاتجار في النساء والأطفال من أجل الفجور والدعارة )) ( )
يتناول هذا التعريف الجرائم التي ترد عادة في نصوص القانون الجنائي الدولي أي القانون الوطني الداخلي للدولة فهو يعالج جرائم ينص عليها القانون والتعريف يحاول أن يسهل من إعمال قواعد القانون الوطني وبالتالي فانه لا يعد صحيحا إطلاق صفة القانون الجنائي الدولي على هذه الطائفة من الجرائم بالمعنى الذي نسعى إليه في هذه الدراسة نعم يمكن أن تصبح هذه الجرائم جرائم دولية عند توافر شروط معينة مثال ان يحدث فعل ضار لدولة اخرى كمسألة من مسائل القانون الدولي الخاص ولكن ذلك لا يعني أنه تعريف موضح لمفهوم القانون الجنائي الدولي .
إلا أن التعريف الأقرب للصحة هو تعريف الفقيه (Graven) حين قال: (هو مجموعة من القواعد القانونية المعترف بها في العلاقات الدولية والتي يكون الغرض منها حماية النظام الاجتماعي الدولي بالمعاقبة على الأفعال التي تتضمن اعتداء عليه) ( )
إذا يمكن لنا تعريف القانون الجنائي الدولي على انه:
القواعد القانونية المحددة للأفعال التي تعد جرائما دولية والموضحة للجزاءات الجنائية المستحقة على مرتكبيها والمعتمدة في نطاق العلاقات الدولية.
من التعريف نستطيع أن نستشف أن القاعدة القانونية حتى نتعرف عليها ونصنفها على أنها قاعدة تنظم مسالة من مسائل القانون الجنائي الدولي فإنها لابد وان تتمتع بخاصتين هما:
1. الخاصية الجنائية.
2. الخاصية الدولية.
والآتي الحديث عن كل منهما:
-1-
(الخاصية الجنائية)
لا يغيب عن ذهن أي فقيه أو باحث في الحقل الجنائي المبدأ الأساسي لأي تشريع جنائي وهو مبدأ المشروعية القاضي بأن لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص قانوني أي أن الفعل لا يدخل تحت طائلة التجريم إلا ان كان مجرما فعلا والأمر سيان في العقوبة حيث أنه لا يجوز أن توقع أية عقوبة من غير أن يكون لها سند من نص القانون .
وعليه فإن القاعدة يجب وأن تحمل خاصية تحديد الجريمة والنص على جزاء من يرتكب الجريمة .
وبمعنى أصح فانه يقصد بمبدأ المشروعية وجوب النص على الجريمة وعلى عقابها في القانون ، فالقانون يتولى مهمة ايضاح السلوكيات التي تعتبر جرائم وهو الذي يحدد العقوبات التي توقع على مرتكبيها.
ومن مسؤوليتنا أن نوضح أن الشريعة الاسلامية الغراء قد سبقت القوانين الوضعية في تقرير هذا المبدأ منذ مايقارب الأربعة عشر قرنا من الزمان ، قال سبحانه وتعالى في سورة القصص الآية 59 : (( وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا يتلو عليهم آياتنا )) وفي سورة الاسراء الآية 15 قال تعالى : (( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا )) و قال سبحانه : ((لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل )) . هذه الآيات العظيمة التي وردت في مواطن مختلفة من سور القرآن الكريم تبين لنا حال الناس قبل ارسال الرسل وحالهم بعد ارسال الرسل فالله سبحانه وتعالى يوضح للناس رحمته على عدم محاسبة الناس في الاعمال التي لايعرفون ان كانت آثمة أم جائزة حتى يرسل اليهم رسله ويبين لهم الصواب وعند العلم تتم المحاسبه والحال نفسه عندنا في القوانين والتشريعات الحديثة ان لا جريمة و لا عقوبة الا بنص القانون عليها ، وهذه الآيات الكريمة قد تفرع منها قواعد أصولية عديدة تؤكد مبدأ الشرعية مثل القاعدة الشرعية (( لا حكم لأفعال العقلاء قبل ورود النص )) وتعني أن افعال المكلف لا يمكن وصفها بأنها محرمة ما لم يرد نص يقضي بتحريمها .
-2-
(الخاصية الدولية)
ينبغي لمعرفة هذه الخصيصة الإلمام بأمر هام وهو عدم الخلط بين القواعد الخاصة بالقانون الجنائي الدولي وقواعد القانون الدولي الخاص حيث أن الأخيرة تتناول مواضيع تنازع القوانين الوطنية للدول ولا تركز في نصوصها على تجريم الأفعال بل مهمتها قاصرة على تنظيم الاجراءات حسب موضوع كل نزاع، الا انه في حال ما إذا نشأت مشكلة حول جريمة دولية فإن مسألة تنظيم الإجراءات التالية لوقوع الجريمة الدولية يندرج تحت نطاق قواعد القانون الجنائي الدولي فهي قواعد لها جوانب شكلية وأخرى موضوعية أي بمعنى أوضح أن الجريمة الدولية هي أساس الموضوع في القانون الجنائي الدولي .
وكذلك ينبغي عدم الخلط بين القانون الدولي العام والقانون الجنائي الدولي وذلك لان الدولية في الأول تنحصر في العلاقات الدولية بينما الدولية في الثاني تتجاوز الحد الذي يتوقف عنده القانون الدولي العام ليكون هناك الفرد الذي أما يكون جانيا أو مجنيا عليه.
بعد أن عرفنا القانون الجنائي الدولي بأنه القواعد القانونية المحددة للأفعال التي تعد جرائماً دولية والموضحة للجزاءات الجنائية المستحقة على مرتكبيها والمعتمدة في نطاق العلاقات الدولية، وأن القاعدة القانونية حتى تكون منظمة للقانون الجنائي الدولي يجب أن تتسم بخاصتين الجنائية والدولية فإنه يلزم علينا التعرف على أهداف هذا القانون .
(أهداف القانون الجنائي الدولي)
المصالح المشتركة لأعضاء المجتمع الدولي كانت ولا تزال محط اهتمام من قبل حماة المجتمع الدولي ، هذه المصالح جاء ذكرها في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية مثل تجريم الإبادة الجماعية التي تهدف إلى إنهاء نسل طائفة معينة مثال ذلك ما قام به الصرب ضد المسلمين في البوسنة والهرسك من عمليات أطلقوا عليها عمليات التطهير العرقي أو ما قام به هتلر النازية من وضع الطائفة اليهودية بأفران حرارية وتركهم للموت أو ما قام به الطاغية المخلوع صدام حسين من إطلاق السلاح الكيميائي على الأكراد فهذه المصلحة (( تحريم الإبادة الجماعية)) تعني (( أي فعل من الأفعال التالية يرتكب بقصد إهلاك جماعة قومية أو اثنية أو عرقية أو دينية بصفتها هذه هلاكاً كلياً أو جزئياً :ـ
أ) قتل أفراد الجماعة .
ب) إلحاق ضرر جسدي أو عقلي جسيم بأفراد الجماعة .
ج) إخضاع الجماعة عمداً لأحوال معيشية يقصد بها إهلاكها الفعلي كلياً أو جزئياً .
د) فرض تدابير تستهدف منع الإنجاب داخل الجماعة .
ه) نقل أطفال الجماعة عنوة إلى جماعة أخرى . ))( )
وكذلك عد من قبيل مصالح المجتمع الدولي احترام قواعد الحرب المتعارف عليها ( ) وعدم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية مثل ما يحدث من إبعاد لسكان القرى والمناطق الفلسطينية الأصليين وإخراجهم قسراً وبالقوة من قبل القوات الإسرائيلية ، وكذلك ما قام به النظام العراقي البائد من إخراج عدد من المواطنين الكويتيين من منازلهم وتحويلها إلى ثكنات عسكرية وسط الأحياء المدنية ((مخالفة البند (د) من المادة (7) النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية)) ، ويدخل في إطار الجرائم ضد الإنسانية ما تقوم به القوات الأمريكية لمعتقلي جوانتانامو من حرمان شديد للحرية البدنية كتكبيل اليدين والأرجل وتغطية الأعين ووضعهم في سجون تحت نوع خاص من الأشعة ((مخالفة البند (هـ) من المادة (7) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية)) .
بهذه الانتهاكات والجرائم يأتي القانون الجنائي الدولي لوضع جزاء عادل يتناسب مع جسامة الفعل المرتكب حتى يحقق الهدف الأساسي من القانون وهو تعزيز مفهوم العدالة في المجتمع الدولي .
يتضح جلياُ أن القانون الجنائي الدولي يهدف إلى الوقاية من الجرائم، والوقاية تتوفر عن طريق نصوص المحكمة الجنائية الدولية التي تدفع أعضاء المجتمع الدولي إلى الابتعاد عن ارتكاب الجرائم المنصوص عليها والتي يهدف القانون إلى تجريمها ، في تحقيق هذا الدور الوقائي .
(المبحث الثاني)
مصادر القانون الجنائي الدولي
يقصد بمصادر القانون الجنائي الدولي : المنابع التي تستقي منها القاعدة القانونية أساسها ومنشأها وبها ترسم حدودها .
والمصادر نوعان :
1. مصادر رئيسية .
2. مصادر ثانوية .
1- المصادر الرئيسية :ـ
ورد في المادة (21) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ترتيب المصادر إلى مقامات مقسمة على بنود حيث جاء في البند الأول من النظام الأساسي للمحكمة نفسها وقواعد الإثبات الخاصة فيها ثم البند الثاني المعاهدات واجبة التطبيق ومبادئ القانون الدولي وقواعده بما فيها تلك المتعلقة بالنزاعات المسلحة (الحرب) .
ويلي البند الثاني البند الثالث المبادئ القانونية المستخلصة من القوانين الوطنية على ألا تتعارض مع نظام المحكمة الأساسي .
وعليه فإن المصادر الأساسية تشمل :ـ
1- النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية .
2- المعاهدات المواثيق الدولية .
3- مبادئ القانون الدولي وقواعده .
-1-
( النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية )
مثلما ذكرنا في المبحث السابق من أن القانون الجنائي الدولي يتمتع بخاصيتين أحدهما الخاصية الجنائية والتي تحوي على مبدأ المشروعية والذي يعني أن لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص القانون ، والقانون الجنائي الدولي وضح لنا الجريمة وأنواعها في نصوصه ووضح لنا العقوبات المترتبة على إرتكابها وبالفعل جاء في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ما يؤكد على مبدأ لا جريمة إلا بنص ((لا يسأل الشخص جنائياً بموجب هذا النظام الأساسي ما لم يشكل السلوك المعني وقت وقوعه جريمة تدخل في اختصاص المحكمة)) ( )
وجاء كذلك تعزيز مبدأ لا عقوبة إلا بنص (( لا يعاقب أي شخص إدانته المحكمة إلا وفقاً لهذا النظام الأساسي)) ( )
- 2 -
(المعاهدات والمواثيق الدولية)
تأتي المعاهدات والمواثيق الدولية في ثاني المصادر الرئيسية والمعاهدات (( تعني اتفاق دولي يعقد بين دولتين أو أكثر كتابة ويخضع للقانون الدولي سواء تم في وثيقة أو أكثر وأياً كانت التسمية التي تطلق عليها)) ( )
وتنقسم المعاهدات إلى نوعين :ـ
1. النوع الأول :ـ
المعاهدات التي تعقد بين دولتين أو أكثر في أمر متعلق بها وهي لا تلزم غير الأطراف الموقعين عليها . ( )
2. النوع الثاني :ـ
المعاهدات التي تعقد بين عدد غير محدد من الدول في أمور تعنيهم جميعاً وتهمهم ويقرر النظام الأساسي للمحكمة فيما إذا كانت المعاهدات التي تطبقها المحكمة هي معاهدات واجبة التطبيق أو العكس ، ويعني بالمعاهدات واجبة التطبيق هي التي تتضمن قواعد خاصة بالقانون الجنائي الدولي .
والجدير بالذكر أن القواعد التي تحكم إبرام المعاهدات الدولية وتحديد ما يترتب عليها من آثار تضمنتها اتفاقية فيينا الخاصة بقانون المعاهدات الدولية لعام 1969م والتي دخلت حيز النفاذ عام 1980م.
- 3 -
(مبادئ القانون الدولي وقواعده )
اعتبر النظام الأساسي مبادئ القانون الدولي وقواعده مصدراً رئيسياً من مصادر القانون الجنائي الدولي ، مما يؤكد الصلة الوثيقة بين القانونين ، ومبادئ القانون الدولي وقواعده يستوي فيها أن تكون مكتوبة أو غير مكتوبة ، وفي هذا الجانب يبرز دور العرف بين مصادر القانون الجنائي الدولي ، فغالبية مبادئ القانون الدولي وقواعده مصدرها العرف ، وما نص عليه النظام الأساسي من مصادر أساسية (المعاهدات والمواثيق الدولية) ثم تلاها بمبادئ القانون الدولي وقواعده فإنه يعني من ذلك المبادئ والقواعد التي لم تركز في المعاهدات ، إن المبادئ المستخلصة من العرف الدولي باعتباره أحد أهم مصادر القانون الدولي في قواعده غير المكتوبة .
تشمل المبادئ المقررة في القانون الدولي للمنازعات المسلحة وتعني تلك المبادئ التي تتضمنها قوانين الحرب وأعرافها ، والغاية من تحديد هذه القواعد تعود إلى المبادئ والقواعد الخاصة بتحديد مفهوم العدوان ، والأفعال التي تتحقق بها جريمة الحرب العدوانية.
2- المصادر الثانوية :ـ
المصادر الثانوية الوارد ذكرها في النظام الأساسي هي : المبادئ القانونية العامة ، ومبادئ القانون المستمدة من المحاكم الدولية ، والعرف الدولي .
- 1 -
(المبادئ القانونية العامة)
تعرف هذه المبادئ بأنها المبادئ الأساسية التي تعتمد عليها مختلف الأنظمة القانونية في عدد من الدول. ولا يعني ذلك أن تكون المبادئ قاصرة للتطبيق على الأفراد وعلاقاتهم بل يسري تطبيقها على العلاقات الدولية.
وفي حقيقة الأمر يتم اللجوء إلى هذه المبادئ عند عجز المصادر الأصلية سابقة الذكر وحول هذا المعنى جاء في ميثاق روما شروط اللجوء إلى هذه المبادئ.
1- "أن تكون هذه المبادئ مستخلصة من القوانين الوطنية للنظم القانونية في العالم، بما في ذلك القوانين الوطنية للدول التي تكون لها ولاية على الجريمة.
2- ألا نتعارض هذه المبادئ مع النظام الأساسي ولا مع القانون الدولي ولا مع القواعد والمعايير المعترف بها دولياً.
3- أن تكون هذه المبادئ متسقة مع حقوق الإنسان المعترف بها دولياً، وألا يترتب على تطبيقها أي تمييز بين الأفراد."*
-2-
( مبادئ القانون المستمدة من المحاكمة الدولية )
يعني بالمبادئ القانونية المستمدة من قبل المحاكم الدولية تلك الآراء الفقهية التي يدلي بها فقهاء القانون وشراحة أو الأحكام التي تصدرها المحاكم المختلفة في شتى دول العالم، وتعتبر مصادر ثانوية استثنائية يتم اللجوء إليها على وجه الاستدلال.
وفي هذا الخصوص ورد في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الدائمة توضيح بشأن الأخذ بآراء المحاكم حيث قصرت على الآراء التي تصدرها المحكمة نفسها "الجنائية الدولية الدائمة".
-3-
( العرف الدولي)
لا يعد العرف مصدراً يتم تنفيذ العقاب بموجبه لأن للقانون الجنائي الدولي خاصية جنائية تقضي بأن لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص من القانون كما نوهنا سابقاً وورد في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية توضيح تمسكها بمبدأ المشروعية القاضي بأن لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص قانوني "المادة 23" والمادة "23".
بالنسبة للمادة "22" جاء في الفقرة الأولى "لا يسأل الشخص جنائياً.... ما لم يشكل السلوك المعنى وقت وقوعه جريمة تدخل في اختصاص المحكمة" ثم ورد في النظام الأساسي المادة (23) لا يعاقب أي شخص أدانته المحكمة إلا وفقاً لهذا النظام الأساسي.
إلا أن عدداً لا يستهان به من الفقهاء الغربيين وبالذات المحدثين منهم لم ينكروا العرف كمصدر في أمور متعلقة بالعلاقات الدولية، فهم قصروه في هذا الحيز لا على حيز العقوبة أو التجريم توافقاً مع الأديان السماوية والأخلاق الإنسانية والمنطق السليم.