الحمدُ للهِ حقَّ حمدِهِ، والشكرُ لَهُ علَى جزيلِ آلائِهِ ونعمِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدَنَا ونبيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، صاحِبُ الخلُقِ العظيمِ، والمنهجِ الواضحِ القويمِ، ، اللَّهُمَّ صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَى سيدِنَا محمدٍ وعلَى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحسانٍ إلَى يومِ الدِّينِ. قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) . وقال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا).
أمَّا بعدُ: فإنَّ للأخلاقِ فِي الإسلامِ قدرًا عظيمًا، ومكانةً ساميةً رفيعةً، بَيَّنَ ذلكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بأبلَغِ بيانٍ، وأفْصَحِ لِسَانٍ، فقَالَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ:«إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاَقِ» وأمَّا هُوَ فِي شخْصِهِ عليهِ الصلاةُ والسلامُ فقدْ كانَ صلى الله عليه وسلم كمَا قَالَت السيدةُ عَائِشَةُ رضيَ اللهُ عنهَا: كانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ. وكَانَ كمَا وصفَهُ سيدُنَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَجْوَدُ النَّاسِ كَفًّا، وَأَشْرَحُهُمْ صَدْراً، وَأَصْدَقُ النَّاسِ لَهْجَةً، وَأَلْيَنُهُمْ عَرِيكَةً، وَأَكْرَمُهُمْ عِشْرَةً. بَلْ حَظِيَ قبْلَ كُلِّ ذلكَ بثنَاءِ اللهِ تعالَى عليهِ إذْ قالَ يخاطبُهُ: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ).
فالأخلاقُ فِي الإسلامِ فَرْعٌ عَنِ الإيمانِ ومَظْهَرٌ لَهُ، وهِيَ سبَبٌ فِي اكتسابِ الثوابِ واستحقاقِ الجنانِ،قالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: « مَا مِنْ شَىْءٍ أَثْقَلُ فِى الْمِيزَانِ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ». وقالَ صلى الله عليه وسلم:« إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ». وقالَ صلى الله عليه وسلم:« إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَىَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّى مَجْلِساً يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلاَقاً » فمَنْ عرفَ اللهَ وعرفَ مَا وعَدَ بهِ وعرفَ أنَّ وعدَهُ حقٌّ لاَبدَّ أَنْ يَحْسُنَ خلُقُهُ، ويَصْلُحَ حالُهُ، وتصْفُوَ سيرَتُهُ وسريرَتُهُ.
أيهَا المؤمنونَ: ومِنْ أفضْلِ الأخلاَقِ الواجبِ علَى المسلمِ التخَلُّقُ بِهَا هُوَ معاملةُ الناسِ بالحسنَى والامتناعُ عَنْ إيذائِهِمْ باللسانِ واليدِ، وقَدْ جعلَهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم دليلاً علَى الإسلامِ وفرعًا عنْهُ فقالَ:«الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ». أَيْ أَمِنُوا أذاهُمَا وشرَّهُمَا . وكَانَ عمارُ بنُ ياسرٍ رضي الله عنه يقولُ: ثَلاَثٌ مَنْ جَمَعَهُنَّ فَقَدْ جَمَعَ الإِيمَانَ: الإِنْصَافُ مِنْ نَفْسِكَ، وَبَذْلُ السَّلاَمِ لِلْعَالَمِ، وَالإِنْفَاقُ مِنَ الإِقْتَارِ. وَبَذْلُ السَّلاَمِ لِلْعَالَمِ يعْنِي تَرْكَ الكذِبِ والإيذاءِ، والغدرِ والاعتداءِ، والخيانةِ وعدمِ الوفاءِ ومَا شَابهَ هذهِ الصفاتِ. فعلَى المسلمِ أنْ يرتقِيَ فِي أخلاقِهِ، ويسخِّرَ طاقاتِهِ فِي الخيرِ والنفعِ والعطاءِ، ويعملَ علَى تقديمِ العونِ والإحسانِ للناسِ بكُلِّ مَا أُوتِيَ، فعَنْ قتادةَ رضيَ اللهُ عنهُ قالَ: لأَنْ أُشْبِعَ كبداً جائعاً أحبُّ إلِيَّ مِنْ حجةٍ بعدَ حجةٍ. فنسأَلُ الله تعالَى أَنْ يوفِّقَنَا لصالِحِ الأَخْلاَقِ فلاَ يهْدِي لصالِحِهَا إلاَّ هُوَ، وأَنْ يَصْرِفَ عنَّا سَيِّئَهَا فلاَ يَصْرِفُ عنَّا سَيِّئَهَا إلاَّ هُوَ، وأَنْ يوفِّقَنَا لطاعتِهِ وطاعةِ مَنْ أمرَنَا بطاعتِهِ, عملاً بقولِهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ).
جعلنِي اللهُ وإياكُمْ مِمَّنْ يستمعُونَ القولَ فيتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ.
أقولُ قولِي هذَا وأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي ولكُمْ .
الخُطْبَةُ الثَّانيةُ
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ولِيُّ الصالحينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدَنَا مُحَمَّداً عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ النبيُّ الأمينُ، اللَّهُمَّ صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَى سيدِنَا محمدٍ وعلَى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحسانٍ إلَى يومِ الدِّينِ.
أمَّا بعدُ: فاتقُوا الله عبادَ اللهِ واعلمُوا أنَّ لمكارمِ الأخلاقِ أثرًا واضحًا فِي المجتمعِ، وقبولاً حسناً مِنْ جميعِ الناسِ، ومفهومُ الأخلاقِ الحقيقيُّ هوَ نفْعُ الناسِ، فقَدْ كانَ صلى الله عليه وسلم يُربِّي أصحابَهُ علَى نفْعِ بعضِهِمْ لبعْضٍ حتَّى يُرسِّخَ فِي أذهانِهِمْ أنَّ ذلكَ هوَ لُبُّ الأخلاقِ، فعَنْ جَابرِ بنِ عَبْدِ اللّهِ رضيَ اللهُ عنهُمَا قَال: لَدَغَتْ رَجُلاً مِنَّا عَقْرَبٌ وَنَحْنُ جُلُوسٌ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَرْقِي؟ قَالَ: مَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَلْ. وقدْ شبَّهَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم حالَ المؤمنِ فِي النفْعِ بِحالِ النحلةِ فقالَ : «وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنَّ مَثَلَ الْمُؤْمِنِ لَكَمَثَلِ النَّحْلَةِ أَكَلَتْ طَيِّباً وَوَضَعَتْ طَيِّباً وَوَقَعَتْ عَلَى عُودٍ فَلَمْ تَكْسِرْ وَلَمْ تُفْسِدْ ».
عبادَ اللهِ: إنَّ اللهَ أمرَكُمْ بِأَمْرٍ بَدَأَ فيهِ بنفْسِهِ وَثَنَّى فيهِ بملائكَتِهِ فقَالَ تَعَالَى: )إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) ، وقالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: « مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْراً» اللهمَّ إنَّا نسألُكَ أَنْ تجعلَ صلواتِكَ وتسليماتِكَ وبركاتِكَ علَى حبيبِكَ ورسولِكَ سيدِنَا محمدٍ، وعلَى آلِهِ الأطهارِ الطيبينَ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وعلَى سائرِ الصحابِةِ الأكرمينَ، وعَنِ التابعينَ ومَنْ تبعَهُمْ بإحسانٍ إلَى يومِ الدينِ، اللَّهُمَّ اهْدِنَا لأحسَنِ الأخلاقِ وخُذْ إلَى الخيرِ بنواصِينَا، اللَّهُمَّ أغْنِنَا بالعلمِ، وزيِّنَا بالحلمِ، وأكْرِمْنَا بالتقوَى، وجمِّلْنَا بالعافيةِ، اللهمَّ إنَّا نسألُكَ صحةَ إيمانٍ، وإيماناً فِي حُسْنِ خُلُقٍ، ونجاحاً يتبعُهُ فلاحٌ ورحمةٌ منكَ وعافيةٌ ومغفرةٌ، اللهمَّ حببْ إلينَا الإيمانَ وزيِّنْهُ فِي قلوبِنَا، واجعلْنَا مِنَ الراشدينَ، اللهمَّ إنَّا نَسألُكَ مِمَّا سَألَكَ منهُ سيدُنَا مُحمدٌ صلى الله عليه وسلم ونَعُوذُ بِكَ مِمَّا تَعوَّذَ مِنْهُ سيدُنَا مُحمدٌ صلى الله عليه وسلم اللَّهُمَّ اشفِ مَرْضَانَا وارْحَمْ مَوْتَانَا، اللَّهُمَّ اغفر للشَّيْخِ زَايِد، والشَّيْخِ مَكْتُوم، وإخوانِهما شيوخِ الإماراتِ الذينَ انتقلُوا إلى رحمتِكَ، اللَّهُمَّ أَنْزِلْهُم مُنْزَلاً مُبَارَكًا، وأَفِضْ عَلَيْهِم مِنْ رَحَمَاتِكَ وَبَرَكَاتِكَ، وَاجْعَلْ مَاقَدَّموا فِي مِيزَانِ حَسَنَاتِهِم يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا رئيسَ الدولةِ الشَّيْخَ خليفة بنَ زايد وَنَائِبَهُ الشَّيْخَ محمَّدَ بنَ راشدٍ إِلَى مَاتُحِبُّهُ وَتَرْضَاهُ، وَأَيِّدْ إِخْوَانَهُما حُكَّامَ الإِمَارَاتِ أجمعين، اللَّهُمَّ بارِكْ فِي المحسنينَ الذينَ يُنفقونَ أموالَهُمْ ابتغاءَ وجهِكَ الكريمِ، اللَّهُمَّ إنَّا نَسْأَلُكَ الْمَغْفِرَةَ والثَّوَابَ لِمَنْ بَنَى هَذَا الْمَسْجِدَ وَلِوَالِدَيْهِ، وَلِكُلِّ مَنْ عَمِلَ فِيهِ صَالِحًا وَإِحْسَانًا، وَاغْفِرِ اللَّهُمَّ لِكُلِّ مَنْ بَنَى لَكَ مَسْجِدًا يُذْكَرُ فِيهِ اسْمُكَ، اللَّهُمَّ أَدِمْ عَلَى دولةِ الإماراتِ الأَمْنَ والأَمَانَ وَعلَى سَائِرِ بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ.
اذْكُرُوا اللَّهَ الْعَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشكرُوهُ علَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ (وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ).
أمَّا بعدُ: فإنَّ للأخلاقِ فِي الإسلامِ قدرًا عظيمًا، ومكانةً ساميةً رفيعةً، بَيَّنَ ذلكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بأبلَغِ بيانٍ، وأفْصَحِ لِسَانٍ، فقَالَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ:«إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاَقِ» وأمَّا هُوَ فِي شخْصِهِ عليهِ الصلاةُ والسلامُ فقدْ كانَ صلى الله عليه وسلم كمَا قَالَت السيدةُ عَائِشَةُ رضيَ اللهُ عنهَا: كانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ. وكَانَ كمَا وصفَهُ سيدُنَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَجْوَدُ النَّاسِ كَفًّا، وَأَشْرَحُهُمْ صَدْراً، وَأَصْدَقُ النَّاسِ لَهْجَةً، وَأَلْيَنُهُمْ عَرِيكَةً، وَأَكْرَمُهُمْ عِشْرَةً. بَلْ حَظِيَ قبْلَ كُلِّ ذلكَ بثنَاءِ اللهِ تعالَى عليهِ إذْ قالَ يخاطبُهُ: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ).
فالأخلاقُ فِي الإسلامِ فَرْعٌ عَنِ الإيمانِ ومَظْهَرٌ لَهُ، وهِيَ سبَبٌ فِي اكتسابِ الثوابِ واستحقاقِ الجنانِ،قالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: « مَا مِنْ شَىْءٍ أَثْقَلُ فِى الْمِيزَانِ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ». وقالَ صلى الله عليه وسلم:« إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ». وقالَ صلى الله عليه وسلم:« إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَىَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّى مَجْلِساً يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلاَقاً » فمَنْ عرفَ اللهَ وعرفَ مَا وعَدَ بهِ وعرفَ أنَّ وعدَهُ حقٌّ لاَبدَّ أَنْ يَحْسُنَ خلُقُهُ، ويَصْلُحَ حالُهُ، وتصْفُوَ سيرَتُهُ وسريرَتُهُ.
أيهَا المؤمنونَ: ومِنْ أفضْلِ الأخلاَقِ الواجبِ علَى المسلمِ التخَلُّقُ بِهَا هُوَ معاملةُ الناسِ بالحسنَى والامتناعُ عَنْ إيذائِهِمْ باللسانِ واليدِ، وقَدْ جعلَهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم دليلاً علَى الإسلامِ وفرعًا عنْهُ فقالَ:«الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ». أَيْ أَمِنُوا أذاهُمَا وشرَّهُمَا . وكَانَ عمارُ بنُ ياسرٍ رضي الله عنه يقولُ: ثَلاَثٌ مَنْ جَمَعَهُنَّ فَقَدْ جَمَعَ الإِيمَانَ: الإِنْصَافُ مِنْ نَفْسِكَ، وَبَذْلُ السَّلاَمِ لِلْعَالَمِ، وَالإِنْفَاقُ مِنَ الإِقْتَارِ. وَبَذْلُ السَّلاَمِ لِلْعَالَمِ يعْنِي تَرْكَ الكذِبِ والإيذاءِ، والغدرِ والاعتداءِ، والخيانةِ وعدمِ الوفاءِ ومَا شَابهَ هذهِ الصفاتِ. فعلَى المسلمِ أنْ يرتقِيَ فِي أخلاقِهِ، ويسخِّرَ طاقاتِهِ فِي الخيرِ والنفعِ والعطاءِ، ويعملَ علَى تقديمِ العونِ والإحسانِ للناسِ بكُلِّ مَا أُوتِيَ، فعَنْ قتادةَ رضيَ اللهُ عنهُ قالَ: لأَنْ أُشْبِعَ كبداً جائعاً أحبُّ إلِيَّ مِنْ حجةٍ بعدَ حجةٍ. فنسأَلُ الله تعالَى أَنْ يوفِّقَنَا لصالِحِ الأَخْلاَقِ فلاَ يهْدِي لصالِحِهَا إلاَّ هُوَ، وأَنْ يَصْرِفَ عنَّا سَيِّئَهَا فلاَ يَصْرِفُ عنَّا سَيِّئَهَا إلاَّ هُوَ، وأَنْ يوفِّقَنَا لطاعتِهِ وطاعةِ مَنْ أمرَنَا بطاعتِهِ, عملاً بقولِهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ).
جعلنِي اللهُ وإياكُمْ مِمَّنْ يستمعُونَ القولَ فيتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ.
أقولُ قولِي هذَا وأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي ولكُمْ .
الخُطْبَةُ الثَّانيةُ
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ولِيُّ الصالحينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدَنَا مُحَمَّداً عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ النبيُّ الأمينُ، اللَّهُمَّ صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَى سيدِنَا محمدٍ وعلَى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحسانٍ إلَى يومِ الدِّينِ.
أمَّا بعدُ: فاتقُوا الله عبادَ اللهِ واعلمُوا أنَّ لمكارمِ الأخلاقِ أثرًا واضحًا فِي المجتمعِ، وقبولاً حسناً مِنْ جميعِ الناسِ، ومفهومُ الأخلاقِ الحقيقيُّ هوَ نفْعُ الناسِ، فقَدْ كانَ صلى الله عليه وسلم يُربِّي أصحابَهُ علَى نفْعِ بعضِهِمْ لبعْضٍ حتَّى يُرسِّخَ فِي أذهانِهِمْ أنَّ ذلكَ هوَ لُبُّ الأخلاقِ، فعَنْ جَابرِ بنِ عَبْدِ اللّهِ رضيَ اللهُ عنهُمَا قَال: لَدَغَتْ رَجُلاً مِنَّا عَقْرَبٌ وَنَحْنُ جُلُوسٌ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَرْقِي؟ قَالَ: مَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَلْ. وقدْ شبَّهَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم حالَ المؤمنِ فِي النفْعِ بِحالِ النحلةِ فقالَ : «وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنَّ مَثَلَ الْمُؤْمِنِ لَكَمَثَلِ النَّحْلَةِ أَكَلَتْ طَيِّباً وَوَضَعَتْ طَيِّباً وَوَقَعَتْ عَلَى عُودٍ فَلَمْ تَكْسِرْ وَلَمْ تُفْسِدْ ».
عبادَ اللهِ: إنَّ اللهَ أمرَكُمْ بِأَمْرٍ بَدَأَ فيهِ بنفْسِهِ وَثَنَّى فيهِ بملائكَتِهِ فقَالَ تَعَالَى: )إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) ، وقالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: « مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْراً» اللهمَّ إنَّا نسألُكَ أَنْ تجعلَ صلواتِكَ وتسليماتِكَ وبركاتِكَ علَى حبيبِكَ ورسولِكَ سيدِنَا محمدٍ، وعلَى آلِهِ الأطهارِ الطيبينَ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وعلَى سائرِ الصحابِةِ الأكرمينَ، وعَنِ التابعينَ ومَنْ تبعَهُمْ بإحسانٍ إلَى يومِ الدينِ، اللَّهُمَّ اهْدِنَا لأحسَنِ الأخلاقِ وخُذْ إلَى الخيرِ بنواصِينَا، اللَّهُمَّ أغْنِنَا بالعلمِ، وزيِّنَا بالحلمِ، وأكْرِمْنَا بالتقوَى، وجمِّلْنَا بالعافيةِ، اللهمَّ إنَّا نسألُكَ صحةَ إيمانٍ، وإيماناً فِي حُسْنِ خُلُقٍ، ونجاحاً يتبعُهُ فلاحٌ ورحمةٌ منكَ وعافيةٌ ومغفرةٌ، اللهمَّ حببْ إلينَا الإيمانَ وزيِّنْهُ فِي قلوبِنَا، واجعلْنَا مِنَ الراشدينَ، اللهمَّ إنَّا نَسألُكَ مِمَّا سَألَكَ منهُ سيدُنَا مُحمدٌ صلى الله عليه وسلم ونَعُوذُ بِكَ مِمَّا تَعوَّذَ مِنْهُ سيدُنَا مُحمدٌ صلى الله عليه وسلم اللَّهُمَّ اشفِ مَرْضَانَا وارْحَمْ مَوْتَانَا، اللَّهُمَّ اغفر للشَّيْخِ زَايِد، والشَّيْخِ مَكْتُوم، وإخوانِهما شيوخِ الإماراتِ الذينَ انتقلُوا إلى رحمتِكَ، اللَّهُمَّ أَنْزِلْهُم مُنْزَلاً مُبَارَكًا، وأَفِضْ عَلَيْهِم مِنْ رَحَمَاتِكَ وَبَرَكَاتِكَ، وَاجْعَلْ مَاقَدَّموا فِي مِيزَانِ حَسَنَاتِهِم يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا رئيسَ الدولةِ الشَّيْخَ خليفة بنَ زايد وَنَائِبَهُ الشَّيْخَ محمَّدَ بنَ راشدٍ إِلَى مَاتُحِبُّهُ وَتَرْضَاهُ، وَأَيِّدْ إِخْوَانَهُما حُكَّامَ الإِمَارَاتِ أجمعين، اللَّهُمَّ بارِكْ فِي المحسنينَ الذينَ يُنفقونَ أموالَهُمْ ابتغاءَ وجهِكَ الكريمِ، اللَّهُمَّ إنَّا نَسْأَلُكَ الْمَغْفِرَةَ والثَّوَابَ لِمَنْ بَنَى هَذَا الْمَسْجِدَ وَلِوَالِدَيْهِ، وَلِكُلِّ مَنْ عَمِلَ فِيهِ صَالِحًا وَإِحْسَانًا، وَاغْفِرِ اللَّهُمَّ لِكُلِّ مَنْ بَنَى لَكَ مَسْجِدًا يُذْكَرُ فِيهِ اسْمُكَ، اللَّهُمَّ أَدِمْ عَلَى دولةِ الإماراتِ الأَمْنَ والأَمَانَ وَعلَى سَائِرِ بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ.
اذْكُرُوا اللَّهَ الْعَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشكرُوهُ علَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ (وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ).