الحمدُ للهِ الَّذِي رَزَقَنَا مِنَ الطَّيِّباتِ, وأمرَنَا بالسَّعْيِ إلَى الكسبِ الحلالِ, وأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، القائلُ سبحانَهُ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ) وأَشْهَدُ أَنَّ سيدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وصفيُّهُ مِنْ خلقِهِ القائلُ صلى الله عليه وسلم : « مَنْ أَكَلَ طَيِّبًا، وَعَمِلَ فِي سُنَّةٍ، وَأَمِنَ النَّاسُ بَوَائِقَهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ» اللَّهُمَّ صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَى سيدِنَا محمدٍ وعلَى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحسانٍ إلَى يومِ الدِّينِ.
أمَّا بعدُ: فأُوصيكُمْ عبادَ اللهِ ونفْسِي بتقوَى اللهِ جلَّ وعلاَ امتثالاً لقَولِهِ تعالَى: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ)
أيُّها المسلمونَ: قَدْ أمرَنَا دِينُنَا الحنيفُ بأَنْ نَكْسَبَ حلالاً ونأْكُلَ حلالاً, وشرَعَ لَنَا طُرُقاً عديدةً لجمْعِ المالِ الحلالِ وَتَمَلُّكِهِ والانتفاعِ بهِ, فالمالُ عَصَبُ الحياةِ وهُوَ عَوْنٌ لِصَاحبِهِ علَى فِعْلِ كُلِّ خيرٍ، فَبِهِ يصُونُ الإنسانُ كرامتَهُ مِنْ ذُلِّ السؤالِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لسعدِ بنِ أبِي وقَّاصٍ رضيَ اللهُ عنهُ:« إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ». وكَانَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ رضيَ اللهُ عنهُ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ: اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي مَالاً، فَإِنَّهُ لاَ يُصْلِحُ الْفِعَالَ إلاَّ الْمَالُ. وانظُرُوا عبادَ اللهِ إلَى قِصَّةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ - رضيَ اللهُ عنهُ- كَيْفَ خرَجَ مِنْ مكَّةَ مُهاجرًا لاَ يملِكُ شيئًا مِنَ المالِ وَلَمَّا وصَلَ المدينةَ المنورةَ لَمْ يَرْكَنْ إلَى الراحةِ وعمِلَ بالتجارةِ حتَّى ربِحَ مِنَ المالِ مَا يكفِيهِ ويُغنِيهِ، قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنه: قَدِمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رضي الله عنه فَعَرَضَ عَلَيْهِ سَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ الأَنْصَارِىُّ رضي الله عنه أَنْ يُنَاصِفَهُ مَالَهُ، وَكَانَ سَعْدٌ ذَا غِنًى، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي مَالِكَ، دُلُّونِي عَلَى السُّوقِ، فَأَتَى السُّوقَ فَرَبِحَ شَيْئاً مِنْ أَقِطٍ وَشَيْئاً مِنْ سَمْنٍ، فَرَآهُ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ أَيَّامٍ وَعَلَيْهِ وَضَرٌ مِنْ صُفْرَةٍ فَقَالَ:« مَهْيَمْ يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ؟». فَقَالَ: تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ. قَالَ : « فَمَا سُقْتَ إِلَيْهَا؟ ». قَالَ: وَزْنَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ. قَالَ :« أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ ». أيُّها المؤمنونَ: إنَّ المالَ الَّذِي مدَحَهُ الإسلامُ, ورغَّبَ فِي جمْعِهِ هُوَ المالُ الحلالُ الَّذِي يَحْصُلُ عليهِ صَاحِبُهُ بالطُّرِقِ المباحةِ المشروعِةِ, كالتِّجارةِ الَّتِي لاَ غِشَّ فيهَا، والزِّراعةِ الَّتِي تُؤْتِي أُكُلَهَا وتُخْرَجُ زكاتُهَا، والصِّناعةِ التِي تُفِيدُ الناسَ، والوظيفةِ التِي تخدمُ الوطنَ، وغيرِ ذلكَ مِمَّا يكونُ سببًا فِي إسعادِ البشريةِ, فعلَى المسلمِ أَنْ يتحرَّى الحلالَ فِي أَيِّ عملٍ يقومُ بِهِ؛ فمَنْ رُزِقَ مالاً حلالاً فقَدْ حبَاهُ اللهُ بنِعَمٍ عظيمةٍ, وآتاهُ فضلاً كبيراً, قالَ صلى الله عليه وسلم:« أَرْبَعٌ إِذَا كُنَّ فِيكَ فَلاَ عَلَيْكَ مَا فَاتَكَ مِنَ الدُّنْيَا: حِفْظُ أَمَانَةٍ، وَصِدْقُ حَدِيثٍ، وَحُسْنُ خَلِيقَةٍ، وَعِفَّةٌ فِى طُعْمَةٍ». ومِنْ ذلكَ الفضلِ أنَّ اللهَ يتقبَّلُ منْهُ أعمالَهُ الصَّالحةَ, ويستجِيبُ دعاءَهُ, ويرفعُ قدرَهُ, ويُعْلِي شأنَهُ, ويُعظِمُ لَهُ أجرَهُ, فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضيَ اللهُ عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:« أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّبًا، وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ, فَقَالَ سبحانهُ: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) وَقَالَ عزَّ وجلَّ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ) ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ يَا رَبِّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ».
عبادَ اللهِ: وخَيْرُ مَنْ نَتَأَسَّى بِهِ فِي تَحَرِّي المطعمِ الطَّيِّبِ هُوَ سيِّدُ المرسلينَ وإمامُ الأصفياءِ نبيُّنا محمَّدٌ صلى الله عليه وسلم فعَنْ أَنَسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِتَمْرَةٍ فِي الطَّرِيقِ قَالَ:« لَوْلا أَنِّي أَخَافُ أَنْ تَكُونَ مِنْ الصَّدَقَةِ لأَكَلْتُهَا» لأَنَّ الصَّدقةَ لاَ تَحِلُّ لسيدِنَا محمَّدٍ وآلِ بيتِهِ, لذلِكَ امتنعَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ أكْلِ هذهِ التَّمرةِ خشيةَ أنْ تكونَ مِنْ مالِ الصَّدقةِ, وفِي هذَا تعليمٌ لنَا أَنْ نحرصَ علَى أكْلِ الحلالِ, واجتنابِ الحرامِ، وأَنْ نحذرَ الطرقَ غيرَ المشروعةِ فِي الكَسْبِ كالغِشِّ، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضيَ اللهُ عنهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلاً فَقَالَ:« مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟». قَالَ: أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ:« أَفَلاَ جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ، مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي». اللهُمَّ ارزقْنَا الحلالَ, وبارِكْ لنَا فيهِ, وأَعِنَّا علَى تحرِّيهِ, ويَسِّرْ لنَا سُبُلَهُ يَا ربَّ العالمينَ. نفعَنِي اللهُ وإياكُمْ بالقرآنِ العظيمِ وبِسنةِ نبيهِ الكريمِ صلى الله عليه وسلم أقولُ قولِي هذَا وأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي ولكُمْ.
الخُطْبَةُ الثَّانيةُ
الحَمْدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أنَّ سيِّدَنَا محمَّداً عبدُهُ ورسولُهُ، اللهمَّ صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَى سيدِنَا محمدٍ وعلَى آلِهِ الطيبينَ الطاهرِينَ وعلَى أصحابِهِ أجمعينَ، والتَّابعِينَ لَهُمْ بإحسانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ. أمَّا بعدُ: فاتَّقوا اللهَ عبادَ اللهِ حقَّ التَّقوى, واعلمُوا أنَّ تحرِّي الحلالِ أمرٌ مطلوبٌ منَّا جميعاً, لأنَّ اللهَ سائلُنَا عَنْ أموالنِا, قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:« لاَ تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ، وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلاَهُ ». فمَنْ أرادَ النَّجاةَ والفوزَ فعَلَيْهِ أَنْ يتحرَّى الحلالَ, وأَنْ يجتنِبَ الحرامَ, قالَ صلى الله عليه وسلم:« إِنَّهُ لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ، النَّارُ أَوْلَى بِهِ ».
عبادَ اللهِ: إنَّ اللهَ أمرَكُمْ بِأَمْرٍ بَدَأَ فيهِ بنفْسِهِ وَثَنَّى فيهِ بملائكَتِهِ فقَالَ تَعَالَى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) وقالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:« مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْراً» اللهمَّ إنَّا نسألُكَ أنْ تجعلَ صلواتِكَ وتسليماتِكَ وبركاتِكَ علَى حبيبِكَ ورسولِكَ سيدِنَا محمدٍ، وعلَى آلِهِ الأطهارِ الطيبينَ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وعلَى سائرِ الصحابِةِ الأكرمينَ، وعَنِ التابعينَ ومَنْ تبعَهُمْ بإحسانٍ إلَى يومِ الدينِ، اللهمَّ إنَّا نسألُكَ رِزْقًا حَلاَلاً طَيِّبًا مُبارَكًا فيهِ، اللَّهُمَّ اكْفِنَا بِحَلاَلِكَ عَنْ حَرَامِكَ وَأَغْنِنَا بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ، اللهمَّ إنَّا نسألُكَ صحةَ إيمانٍ، وإيماناً فِي حُسْنِ خُلُقٍ، ونجاحاً يتبعُهُ فلاحٌ ورحمةٌ منكَ وعافيةٌ ومغفرةٌ، اللهمَّ حببْ إلينَا الإيمانَ وزيِّنْهُ فِي قلوبِنَا، واجعلْنَا مِنَ الراشدينَ، اللَّهُمَّ اغفر للشَّيْخِ زَايِد، والشَّيْخِ مَكْتُوم، وإخوانِهما شيوخِ الإماراتِ الذينَ انتقلُوا إلى رحمتِكَ، اللَّهُمَّ أَنْزِلْهُم مُنْزَلاً مُبَارَكًا، وأَفِضْ عَلَيْهِم مِنْ رَحَمَاتِكَ وَبَرَكَاتِكَ، وَاجْعَلْ مَاقَدَّموا فِي مِيزَانِ حَسَنَاتِهِم يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا رئيسَ الدولةِ الشَّيْخَ خليفة بنَ زايد وَنَائِبَهُ الشَّيْخَ محمَّدَ بنَ راشدٍ إِلَى مَاتُحِبُّهُ وَتَرْضَاهُ، وَأَيِّدْ إِخْوَانَهُما حُكَّامَ الإِمَارَاتِ أجمعين، اللَّهُمَّ بارِكْ فِي المحسنينَ الذينَ يُنفقونَ أموالَهُمْ ابتغاءَ وجهِكَ الكريمِ، اللَّهُمَّ إنَّا نَسْأَلُكَ الْمَغْفِرَةَ والثَّوَابَ لِمَنْ بَنَى هَذَا الْمَسْجِدَ وَلِوَالِدَيْهِ، وَلِكُلِّ مَنْ عَمِلَ فِيهِ صَالِحًا وَإِحْسَانًا، وَاغْفِرِ اللَّهُمَّ لِكُلِّ مَنْ بَنَى لَكَ مَسْجِدًا يُذْكَرُ فِيهِ اسْمُكَ، اللَّهُمَّ أَدِمْ عَلَى دولةِ الإماراتِ الأَمْنَ والأَمَانَ وَعلَى سَائِرِ بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ.
اذْكُرُوا اللَّهَ الْعَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشكرُوهُ علَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ (وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ).
[url=http://www.iacad.gov.ae/admin/storage/other/Friday Sermon/444pdf.pdf][/url]
أمَّا بعدُ: فأُوصيكُمْ عبادَ اللهِ ونفْسِي بتقوَى اللهِ جلَّ وعلاَ امتثالاً لقَولِهِ تعالَى: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ)
أيُّها المسلمونَ: قَدْ أمرَنَا دِينُنَا الحنيفُ بأَنْ نَكْسَبَ حلالاً ونأْكُلَ حلالاً, وشرَعَ لَنَا طُرُقاً عديدةً لجمْعِ المالِ الحلالِ وَتَمَلُّكِهِ والانتفاعِ بهِ, فالمالُ عَصَبُ الحياةِ وهُوَ عَوْنٌ لِصَاحبِهِ علَى فِعْلِ كُلِّ خيرٍ، فَبِهِ يصُونُ الإنسانُ كرامتَهُ مِنْ ذُلِّ السؤالِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لسعدِ بنِ أبِي وقَّاصٍ رضيَ اللهُ عنهُ:« إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ». وكَانَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ رضيَ اللهُ عنهُ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ: اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي مَالاً، فَإِنَّهُ لاَ يُصْلِحُ الْفِعَالَ إلاَّ الْمَالُ. وانظُرُوا عبادَ اللهِ إلَى قِصَّةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ - رضيَ اللهُ عنهُ- كَيْفَ خرَجَ مِنْ مكَّةَ مُهاجرًا لاَ يملِكُ شيئًا مِنَ المالِ وَلَمَّا وصَلَ المدينةَ المنورةَ لَمْ يَرْكَنْ إلَى الراحةِ وعمِلَ بالتجارةِ حتَّى ربِحَ مِنَ المالِ مَا يكفِيهِ ويُغنِيهِ، قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنه: قَدِمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رضي الله عنه فَعَرَضَ عَلَيْهِ سَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ الأَنْصَارِىُّ رضي الله عنه أَنْ يُنَاصِفَهُ مَالَهُ، وَكَانَ سَعْدٌ ذَا غِنًى، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي مَالِكَ، دُلُّونِي عَلَى السُّوقِ، فَأَتَى السُّوقَ فَرَبِحَ شَيْئاً مِنْ أَقِطٍ وَشَيْئاً مِنْ سَمْنٍ، فَرَآهُ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ أَيَّامٍ وَعَلَيْهِ وَضَرٌ مِنْ صُفْرَةٍ فَقَالَ:« مَهْيَمْ يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ؟». فَقَالَ: تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ. قَالَ : « فَمَا سُقْتَ إِلَيْهَا؟ ». قَالَ: وَزْنَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ. قَالَ :« أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ ». أيُّها المؤمنونَ: إنَّ المالَ الَّذِي مدَحَهُ الإسلامُ, ورغَّبَ فِي جمْعِهِ هُوَ المالُ الحلالُ الَّذِي يَحْصُلُ عليهِ صَاحِبُهُ بالطُّرِقِ المباحةِ المشروعِةِ, كالتِّجارةِ الَّتِي لاَ غِشَّ فيهَا، والزِّراعةِ الَّتِي تُؤْتِي أُكُلَهَا وتُخْرَجُ زكاتُهَا، والصِّناعةِ التِي تُفِيدُ الناسَ، والوظيفةِ التِي تخدمُ الوطنَ، وغيرِ ذلكَ مِمَّا يكونُ سببًا فِي إسعادِ البشريةِ, فعلَى المسلمِ أَنْ يتحرَّى الحلالَ فِي أَيِّ عملٍ يقومُ بِهِ؛ فمَنْ رُزِقَ مالاً حلالاً فقَدْ حبَاهُ اللهُ بنِعَمٍ عظيمةٍ, وآتاهُ فضلاً كبيراً, قالَ صلى الله عليه وسلم:« أَرْبَعٌ إِذَا كُنَّ فِيكَ فَلاَ عَلَيْكَ مَا فَاتَكَ مِنَ الدُّنْيَا: حِفْظُ أَمَانَةٍ، وَصِدْقُ حَدِيثٍ، وَحُسْنُ خَلِيقَةٍ، وَعِفَّةٌ فِى طُعْمَةٍ». ومِنْ ذلكَ الفضلِ أنَّ اللهَ يتقبَّلُ منْهُ أعمالَهُ الصَّالحةَ, ويستجِيبُ دعاءَهُ, ويرفعُ قدرَهُ, ويُعْلِي شأنَهُ, ويُعظِمُ لَهُ أجرَهُ, فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضيَ اللهُ عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:« أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّبًا، وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ, فَقَالَ سبحانهُ: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) وَقَالَ عزَّ وجلَّ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ) ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ يَا رَبِّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ».
عبادَ اللهِ: وخَيْرُ مَنْ نَتَأَسَّى بِهِ فِي تَحَرِّي المطعمِ الطَّيِّبِ هُوَ سيِّدُ المرسلينَ وإمامُ الأصفياءِ نبيُّنا محمَّدٌ صلى الله عليه وسلم فعَنْ أَنَسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِتَمْرَةٍ فِي الطَّرِيقِ قَالَ:« لَوْلا أَنِّي أَخَافُ أَنْ تَكُونَ مِنْ الصَّدَقَةِ لأَكَلْتُهَا» لأَنَّ الصَّدقةَ لاَ تَحِلُّ لسيدِنَا محمَّدٍ وآلِ بيتِهِ, لذلِكَ امتنعَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ أكْلِ هذهِ التَّمرةِ خشيةَ أنْ تكونَ مِنْ مالِ الصَّدقةِ, وفِي هذَا تعليمٌ لنَا أَنْ نحرصَ علَى أكْلِ الحلالِ, واجتنابِ الحرامِ، وأَنْ نحذرَ الطرقَ غيرَ المشروعةِ فِي الكَسْبِ كالغِشِّ، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضيَ اللهُ عنهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلاً فَقَالَ:« مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟». قَالَ: أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ:« أَفَلاَ جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ، مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي». اللهُمَّ ارزقْنَا الحلالَ, وبارِكْ لنَا فيهِ, وأَعِنَّا علَى تحرِّيهِ, ويَسِّرْ لنَا سُبُلَهُ يَا ربَّ العالمينَ. نفعَنِي اللهُ وإياكُمْ بالقرآنِ العظيمِ وبِسنةِ نبيهِ الكريمِ صلى الله عليه وسلم أقولُ قولِي هذَا وأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي ولكُمْ.
الخُطْبَةُ الثَّانيةُ
الحَمْدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أنَّ سيِّدَنَا محمَّداً عبدُهُ ورسولُهُ، اللهمَّ صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَى سيدِنَا محمدٍ وعلَى آلِهِ الطيبينَ الطاهرِينَ وعلَى أصحابِهِ أجمعينَ، والتَّابعِينَ لَهُمْ بإحسانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ. أمَّا بعدُ: فاتَّقوا اللهَ عبادَ اللهِ حقَّ التَّقوى, واعلمُوا أنَّ تحرِّي الحلالِ أمرٌ مطلوبٌ منَّا جميعاً, لأنَّ اللهَ سائلُنَا عَنْ أموالنِا, قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:« لاَ تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ، وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلاَهُ ». فمَنْ أرادَ النَّجاةَ والفوزَ فعَلَيْهِ أَنْ يتحرَّى الحلالَ, وأَنْ يجتنِبَ الحرامَ, قالَ صلى الله عليه وسلم:« إِنَّهُ لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ، النَّارُ أَوْلَى بِهِ ».
عبادَ اللهِ: إنَّ اللهَ أمرَكُمْ بِأَمْرٍ بَدَأَ فيهِ بنفْسِهِ وَثَنَّى فيهِ بملائكَتِهِ فقَالَ تَعَالَى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) وقالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:« مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْراً» اللهمَّ إنَّا نسألُكَ أنْ تجعلَ صلواتِكَ وتسليماتِكَ وبركاتِكَ علَى حبيبِكَ ورسولِكَ سيدِنَا محمدٍ، وعلَى آلِهِ الأطهارِ الطيبينَ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وعلَى سائرِ الصحابِةِ الأكرمينَ، وعَنِ التابعينَ ومَنْ تبعَهُمْ بإحسانٍ إلَى يومِ الدينِ، اللهمَّ إنَّا نسألُكَ رِزْقًا حَلاَلاً طَيِّبًا مُبارَكًا فيهِ، اللَّهُمَّ اكْفِنَا بِحَلاَلِكَ عَنْ حَرَامِكَ وَأَغْنِنَا بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ، اللهمَّ إنَّا نسألُكَ صحةَ إيمانٍ، وإيماناً فِي حُسْنِ خُلُقٍ، ونجاحاً يتبعُهُ فلاحٌ ورحمةٌ منكَ وعافيةٌ ومغفرةٌ، اللهمَّ حببْ إلينَا الإيمانَ وزيِّنْهُ فِي قلوبِنَا، واجعلْنَا مِنَ الراشدينَ، اللَّهُمَّ اغفر للشَّيْخِ زَايِد، والشَّيْخِ مَكْتُوم، وإخوانِهما شيوخِ الإماراتِ الذينَ انتقلُوا إلى رحمتِكَ، اللَّهُمَّ أَنْزِلْهُم مُنْزَلاً مُبَارَكًا، وأَفِضْ عَلَيْهِم مِنْ رَحَمَاتِكَ وَبَرَكَاتِكَ، وَاجْعَلْ مَاقَدَّموا فِي مِيزَانِ حَسَنَاتِهِم يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا رئيسَ الدولةِ الشَّيْخَ خليفة بنَ زايد وَنَائِبَهُ الشَّيْخَ محمَّدَ بنَ راشدٍ إِلَى مَاتُحِبُّهُ وَتَرْضَاهُ، وَأَيِّدْ إِخْوَانَهُما حُكَّامَ الإِمَارَاتِ أجمعين، اللَّهُمَّ بارِكْ فِي المحسنينَ الذينَ يُنفقونَ أموالَهُمْ ابتغاءَ وجهِكَ الكريمِ، اللَّهُمَّ إنَّا نَسْأَلُكَ الْمَغْفِرَةَ والثَّوَابَ لِمَنْ بَنَى هَذَا الْمَسْجِدَ وَلِوَالِدَيْهِ، وَلِكُلِّ مَنْ عَمِلَ فِيهِ صَالِحًا وَإِحْسَانًا، وَاغْفِرِ اللَّهُمَّ لِكُلِّ مَنْ بَنَى لَكَ مَسْجِدًا يُذْكَرُ فِيهِ اسْمُكَ، اللَّهُمَّ أَدِمْ عَلَى دولةِ الإماراتِ الأَمْنَ والأَمَانَ وَعلَى سَائِرِ بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ.
اذْكُرُوا اللَّهَ الْعَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشكرُوهُ علَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ (وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ).
[url=http://www.iacad.gov.ae/admin/storage/other/Friday Sermon/444pdf.pdf][/url]