الحمدُ للهِ الذِي لهُ الخلْقُ ولهُ الأمرُ وإليهِ تُرجعونَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ الحيُّ القيومُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدَنَا ونبيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، أرسَلَهُ ربُّهُ بالهدَى ودينِ الحقِّ، فأدَّى الرسالةَ ونصحَ الأمةَ، فاللَّهُمَّ صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَى سيدِنَا محمدٍ وعلَى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحسانٍ إلَى يومِ الدِّينِ.
أُوصيكُمْ عبادَ اللهِ ونفسِي بتقوَى اللهِ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)
أمَّا بعدُ أيهَا المسلمونَ: إنَّ الإسلامَ قدْ غذَّى عقولَنَا وقلوبَنَا بعقيدةٍ عظيمةٍ فِي فهمِ الحياةِ والموتِ، وفِي التطَلُّعِ للآخرةِ، ومَا أعدَّهُ اللهُ سبحانَهُ للمؤمنينَ المحسنينَ، فمَا الحياةُ الدنيَا بدارِ بقَاءٍ، وإنَّمَا هِيَ ميدانٌ رَحْبٌ لنمَلأَهَا بالعملِ والبناءِ والخيرِ والأعمالِ الصالحةِ، ومَا الأعمارُ المتفاوتةُ إلاَّ للعِبَرِ والاعتبارِ، فلاَ يغتَرّ أحدُنَا بالركونِ إلَى الدنيَا، وينْسَى زحْفَ الآجالِ إليهِ، أوْ تناقُصَ الزمانِ والأعمارِ بيْنَ يدَيْهِ، فلنتَّعِظْ بِهذَا ولنملأْ حياتَنَا بإلإيمانِ والعملِ الصالِحِ، قالَ سبحانَهُ وتعالَى: (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَاباً مُّؤَجَّلاً وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ )
عبادَ اللهِ: مَا أنصعَ هذهِ الحقيقةَ الحياتيةَ التِي وصفَهَا لنَا القرآنُ الكريمُ بواقعيةٍ بليغةٍ فقالَ تعالَى: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ المَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الغُرُورِ) ومِنْ هُنَا كانَ الفاروقُ عمرُ رضيَ اللهُ عنهُ يَعِظُ نفسَهُ ويحاسِبُهَا بحكمتِهِ المشهورةِ: كفَى بالموتِ واعظًا يَا عمرُ. أيهَا المسلمونَ: منذُ يومينِ رحلَ عنَّا إلَى بارئِهِ حاكِمٌ حكيمٌ ورجلُ دولةٍ عظيمٌ، انضمَّ إلَى موكبِ القادةِ المؤسسينَ لدولتِنَا العزيزةِ، فأرسَى معَهُمْ دولةَ الاتحادِ التِي نعمَتْ بِهَا بلادُنَا وكُلُّ بلدانِ العالَمِ، إنَّهَا دولةُ الإماراتِ العربيةِ المتحدةِ التِي أصبحَتْ بحكمةِ قيادتِهَا الرشيدةِ وإخلاصِ أبنائِهَا البررةِ فردوسَ العالَمِ المعاصرِ: نَهضةً وريادةً وأمْنًا وتسامُحًا وإخاءً، لقَدْ رحلَ الشيخُ صقر بن محمد القاسمي حاكمُ رأسِ الخيمةِ طيَّبَ اللهُ ثراهُ بعدَ عُمرٍ مبارَكٍ مديدٍ قضاهُ فِي خدمةِ الوطنِ والدولةِ والشعبِ.
وإنَّنَا إذْ نتذَكَّرُ مآثرَهُ الجليلةَ ومواقفَهُ النبيلَةَ فإنَّنَا نرفَعُ إلَى مقامِ صاحبِ السموِّ الشيخِ خليفة بن زايد آل نهيان رئيسِ الدولةِ يحفظُهُ اللهُ، وإلَى أخيهِ صاحبِ السموِّ الشيخِ محمد بن راشد نائبِ رئيسِ الدولةِ رئيسِ مجلسِ الوزراءِ حاكمِ دبي وإلَى إخوانِهِمَا أصحابِ السموِّ أعضاءِ المجلسِ الأعلَى للاتحادِ وإلَى صاحبِ السموِّ الفريقِ أول الشيخِ محمد بن زايد آل نهيان ولِي عهْدِ أبُو ظبي نائبِ القائدِ الأعلَى للقواتِ المسلحةِ وإلَى جميعِ أولياءِ العهودِ ونوَّابِ الحكامِ وإلَى أبناءِ الفقيدِ وإخوانِهِ وأهلِهِ وإلَى شعبِ الإماراتِ العربيةِ المتحدةِ مِنْ مواطنينَ ومقيمينَ صادقَ العزاءِ والمواساةِ بفقْدِ هذَا الراحلِ الكبيرِ سائلينَ اللهَ تعالَى لهُ واسعَ الرحمةِ والمغفرةِ. وعزاؤُنَا فِي جميعِ مَنْ رحَلَ مِنْ قادتِنَا مَا قالَهُ ربُّنَا سبحانَهُ وتعالَى لرسولِهِ صلى الله عليه وسلم : (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ)
فرحمَ اللهُ الشَّيخَ صقر بن محمد القاسمي رحمةً واسعةً، وأسكنَهُ فسيحَ جنانِهِ، وأفْرَغَ الصَّبْرَ والسُّلْوَانَ علَى قلُوبِ أهلِهِ وإخوانِهِ، فاللَّهُمَّ إنَّا ندعُوكَ بِمَا دعاكَ بهِ نبيُّكَ محمدٌ صلى الله عليه وسلم : « اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ، وَاعْفُ عَنْهُ وَعَافِهِ، وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ، وَاغْسِلْهُ بِمَاءٍ وَثَلْجٍ وَبَرَدٍ، وَنَقِّهِ مِنَ الْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، وَأَبْدِلْهُ دَاراً خَيْراً مِنْ دَارِهِ، وَأَهْلاً خَيْراً مِنْ أَهْلِهِ، وَزَوْجاً خَيْراً مِنْ زَوْجِهِ، وَقِهِ فِتْنَةَ الْقَبْرِ وَعَذَابَ النَّارِ».
ونسألُ اللهَ تعالَى أنْ يشملَ فقيدَنَا بلطفِهِ وواسعِ رحمتِهِ، وأَنْ يُظلَّهُ فِي ظلِّهِ يومَ لاَ ظلَّ إلاَّ ظلُّهُ. جعلنِي اللهُ وإياكُمْ مِمَّنْ يستمعُونَ القولَ فيتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ. أقولُ قولِي هذَا وأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي ولكُمْ.
الخُطْبَةُ الثَّانيةُ
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ولِيُّ الصالحينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدَنَا مُحَمَّداً عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ النبيُّ الأمينُ، فاللَّهُمَّ صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَى سيدِنَا محمدٍ وعلَى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحسانٍ إلَى يومِ الدِّينِ .
أمَّا بعدُ أيهَا المسلمونَ: فإنَّنَا اليومَ بفَقْدِ هذَا القائدِ لنتذكَّرُ ذلكَ الرعيلَ المخلصَ مِنْ قادتِنَا الذينَ انتقلُوا إلَى ديارِ الحقِّ، ففِي مثلِ هذهِ الأيامِ قبلَ ستِّ سنواتٍ رحلَ عنَّا الشيخُ زايد بن سلطانَ آل نهيان طيَّبَ اللهُ ثراهُ، والذِي كانَ مثالاً عاليًا فِي الأخلاقِ وقدوةً يُحتَذَى بِهَا بعدَ أَنْ أدَّى الأمانةَ ونصحَ للهِ ولشعبِهِ، فبنَى دولةً رائدةً علَى أُسسٍ حضاريةٍ يُشارُ إليهَا بالبنانِ، أصبحَتْ اليومَ حديثَ العالَمِ أجمعَ، فقدْ بدأَ رحمَهُ اللهُ تعالَى مسيرةَ العطاءِ منذُ اللحظةِ الأُولَى لتولِّيهِ الأَمْرَ، فاستطاعَ أنْ يبنِيَ اتحادًا قويًّا بتوفيقِ اللهِ لهُ ثُمَّ بمعونةِ إخوانِهِ حكامِ الإماراتِ لينعمَ الجميعُ بالأمنِ والأمانِ والاستقرارِ والرفاهيةِ، فخلَّدَ التاريخُ ذكْرَهُ قائدًا حكيمًا قادَ شعبَهُ بأُبُوَّةٍ حانِيَةٍ، وسياسةٍ رشيدةٍ، وعزيمةٍ قويةٍ، فَغَدا قُدوةً للقريبِ والبعيدِ، وأَحبَّهُ الناسُ فِي كلِّ بقاعِ الأرضِ، وإنَّ اللهَ تعالَى إذَا أحبَّ عبدًا أحبَّهُ أهلُ السمواتِ ووُضِعَ لهُ الْقَبُولُ فِى أَهْلِ الأَرْضِ، قَالَ صلى الله عليه وسلم :« إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِذَا أَحَبَّ عَبْداً نَادَى جِبْرِيلَ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّ فُلاَناً فَأَحِبَّهُ فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِى جِبْرِيلُ فِي السَّمَاءِ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّ فُلاَناً فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ وَيُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِى أَهْلِ الأَرْضِ». وسيُسَجِّلُ التاريخُ مسيرتَهُ المباركةَ بأحرُفٍ مِنْ نورٍ، وستظَلُّ هذهِ الحقبةُ تَاجاً فِي تاريخِ الإماراتِ والعالَمِ وَوِساماً علَى صَدْرِ كُلِّ أبناءِ الوطنِ، فنسألُ اللهَ سبحانَهُ أَنْ يتغمدَ برحمتِهِ الشيخَ زايد بن سلطان آل نهيان والشيخ صقر بن محمد القاسمي وشيوخَ الإماراتِ الذينَ أسَّسُوا هذهِ الدولةَ المباركةَ وانتقلُوا إلَى جوارِ ربِّهِمْ الكريمِ.
عبادَ اللهِ: إنَّ اللهَ أمرَكُمْ بِأَمْرٍ بَدَأَ فيهِ بنفْسِهِ وَثَنَّى فيهِ بملائكَتِهِ فقَالَ تَعَالَى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) وقالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم :« مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْراً» اللهمَّ إنَّا نسألُكَ أَنْ تجعلَ صلواتِكَ وتسليماتِكَ وبركاتِكَ علَى حبيبِكَ ورسولِكَ سيدِنَا محمدٍ، وعلَى آلِهِ الأطهارِ الطيبينَ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وعلَى سائرِ الصحابِةِ الأكرمينَ، وعَنِ التابعينَ ومَنْ تبعَهُمْ بإحسانٍ إلَى يومِ الدينِ، اللهمَّ إنَّا نسألُكَ صحةَ إيمانٍ، وإيماناً فِي حُسْنِ خُلُقٍ، ونجاحاً يتبعُهُ فلاحٌ ورحمةٌ منكَ وعافيةٌ ومغفرةٌ، اللهمَّ حببْ إلينَا الإيمانَ وزيِّنْهُ فِي قلوبِنَا، واجعلْنَا مِنَ الراشدينَ، اللهمَّ إنَّا نَسألُكَ مِمَّا سَألَكَ منهُ سيدُنَا مُحمدٌ صلى الله عليه وسلم ونَعُوذُ بِكَ مِمَّا تَعوَّذَ مِنْهُ سيدُنَا مُحمدٌ صلى الله عليه وسلم اللَّهُمَّ اشفِ مَرْضَانَا وارْحَمْ مَوْتَانَا، اللَّهُمَّ اغفر للشَّيْخِ زَايِد، والشَّيْخِ مَكْتُوم، وإخوانِهما شيوخِ الإماراتِ الذينَ انتقلُوا إلى رحمتِكَ، اللَّهُمَّ أَنْزِلْهُم مُنْزَلاً مُبَارَكًا، وأَفِضْ عَلَيْهِم مِنْ رَحَمَاتِكَ وَبَرَكَاتِكَ، وَاجْعَلْ مَاقَدَّموا فِي مِيزَانِ حَسَنَاتِهِم يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا رئيسَ الدولةِ الشَّيْخَ خليفة بنَ زايد وَنَائِبَهُ الشَّيْخَ محمَّدَ بنَ راشدٍ إِلَى مَاتُحِبُّهُ وَتَرْضَاهُ، وَأَيِّدْ إِخْوَانَهُما حُكَّامَ الإِمَارَاتِ أجمعين، اللَّهُمَّ بارِكْ فِي المحسنينَ الذينَ يُنفقونَ أموالَهُمْ ابتغاءَ وجهِكَ الكريمِ، اللَّهُمَّ إنَّا نَسْأَلُكَ الْمَغْفِرَةَ والثَّوَابَ لِمَنْ بَنَى هَذَا الْمَسْجِدَ وَلِوَالِدَيْهِ، وَلِكُلِّ مَنْ عَمِلَ فِيهِ صَالِحًا وَإِحْسَانًا، وَاغْفِرِ اللَّهُمَّ لِكُلِّ مَنْ بَنَى لَكَ مَسْجِدًا يُذْكَرُ فِيهِ اسْمُكَ، اللَّهُمَّ أَدِمْ عَلَى دولةِ الإماراتِ الأَمْنَ والأَمَانَ وَعلَى سَائِرِ بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ. اذْكُرُوا اللَّهَ الْعَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشكرُوهُ علَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ (وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ).
أُوصيكُمْ عبادَ اللهِ ونفسِي بتقوَى اللهِ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)
أمَّا بعدُ أيهَا المسلمونَ: إنَّ الإسلامَ قدْ غذَّى عقولَنَا وقلوبَنَا بعقيدةٍ عظيمةٍ فِي فهمِ الحياةِ والموتِ، وفِي التطَلُّعِ للآخرةِ، ومَا أعدَّهُ اللهُ سبحانَهُ للمؤمنينَ المحسنينَ، فمَا الحياةُ الدنيَا بدارِ بقَاءٍ، وإنَّمَا هِيَ ميدانٌ رَحْبٌ لنمَلأَهَا بالعملِ والبناءِ والخيرِ والأعمالِ الصالحةِ، ومَا الأعمارُ المتفاوتةُ إلاَّ للعِبَرِ والاعتبارِ، فلاَ يغتَرّ أحدُنَا بالركونِ إلَى الدنيَا، وينْسَى زحْفَ الآجالِ إليهِ، أوْ تناقُصَ الزمانِ والأعمارِ بيْنَ يدَيْهِ، فلنتَّعِظْ بِهذَا ولنملأْ حياتَنَا بإلإيمانِ والعملِ الصالِحِ، قالَ سبحانَهُ وتعالَى: (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَاباً مُّؤَجَّلاً وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ )
عبادَ اللهِ: مَا أنصعَ هذهِ الحقيقةَ الحياتيةَ التِي وصفَهَا لنَا القرآنُ الكريمُ بواقعيةٍ بليغةٍ فقالَ تعالَى: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ المَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الغُرُورِ) ومِنْ هُنَا كانَ الفاروقُ عمرُ رضيَ اللهُ عنهُ يَعِظُ نفسَهُ ويحاسِبُهَا بحكمتِهِ المشهورةِ: كفَى بالموتِ واعظًا يَا عمرُ. أيهَا المسلمونَ: منذُ يومينِ رحلَ عنَّا إلَى بارئِهِ حاكِمٌ حكيمٌ ورجلُ دولةٍ عظيمٌ، انضمَّ إلَى موكبِ القادةِ المؤسسينَ لدولتِنَا العزيزةِ، فأرسَى معَهُمْ دولةَ الاتحادِ التِي نعمَتْ بِهَا بلادُنَا وكُلُّ بلدانِ العالَمِ، إنَّهَا دولةُ الإماراتِ العربيةِ المتحدةِ التِي أصبحَتْ بحكمةِ قيادتِهَا الرشيدةِ وإخلاصِ أبنائِهَا البررةِ فردوسَ العالَمِ المعاصرِ: نَهضةً وريادةً وأمْنًا وتسامُحًا وإخاءً، لقَدْ رحلَ الشيخُ صقر بن محمد القاسمي حاكمُ رأسِ الخيمةِ طيَّبَ اللهُ ثراهُ بعدَ عُمرٍ مبارَكٍ مديدٍ قضاهُ فِي خدمةِ الوطنِ والدولةِ والشعبِ.
وإنَّنَا إذْ نتذَكَّرُ مآثرَهُ الجليلةَ ومواقفَهُ النبيلَةَ فإنَّنَا نرفَعُ إلَى مقامِ صاحبِ السموِّ الشيخِ خليفة بن زايد آل نهيان رئيسِ الدولةِ يحفظُهُ اللهُ، وإلَى أخيهِ صاحبِ السموِّ الشيخِ محمد بن راشد نائبِ رئيسِ الدولةِ رئيسِ مجلسِ الوزراءِ حاكمِ دبي وإلَى إخوانِهِمَا أصحابِ السموِّ أعضاءِ المجلسِ الأعلَى للاتحادِ وإلَى صاحبِ السموِّ الفريقِ أول الشيخِ محمد بن زايد آل نهيان ولِي عهْدِ أبُو ظبي نائبِ القائدِ الأعلَى للقواتِ المسلحةِ وإلَى جميعِ أولياءِ العهودِ ونوَّابِ الحكامِ وإلَى أبناءِ الفقيدِ وإخوانِهِ وأهلِهِ وإلَى شعبِ الإماراتِ العربيةِ المتحدةِ مِنْ مواطنينَ ومقيمينَ صادقَ العزاءِ والمواساةِ بفقْدِ هذَا الراحلِ الكبيرِ سائلينَ اللهَ تعالَى لهُ واسعَ الرحمةِ والمغفرةِ. وعزاؤُنَا فِي جميعِ مَنْ رحَلَ مِنْ قادتِنَا مَا قالَهُ ربُّنَا سبحانَهُ وتعالَى لرسولِهِ صلى الله عليه وسلم : (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ)
فرحمَ اللهُ الشَّيخَ صقر بن محمد القاسمي رحمةً واسعةً، وأسكنَهُ فسيحَ جنانِهِ، وأفْرَغَ الصَّبْرَ والسُّلْوَانَ علَى قلُوبِ أهلِهِ وإخوانِهِ، فاللَّهُمَّ إنَّا ندعُوكَ بِمَا دعاكَ بهِ نبيُّكَ محمدٌ صلى الله عليه وسلم : « اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ، وَاعْفُ عَنْهُ وَعَافِهِ، وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ، وَاغْسِلْهُ بِمَاءٍ وَثَلْجٍ وَبَرَدٍ، وَنَقِّهِ مِنَ الْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، وَأَبْدِلْهُ دَاراً خَيْراً مِنْ دَارِهِ، وَأَهْلاً خَيْراً مِنْ أَهْلِهِ، وَزَوْجاً خَيْراً مِنْ زَوْجِهِ، وَقِهِ فِتْنَةَ الْقَبْرِ وَعَذَابَ النَّارِ».
ونسألُ اللهَ تعالَى أنْ يشملَ فقيدَنَا بلطفِهِ وواسعِ رحمتِهِ، وأَنْ يُظلَّهُ فِي ظلِّهِ يومَ لاَ ظلَّ إلاَّ ظلُّهُ. جعلنِي اللهُ وإياكُمْ مِمَّنْ يستمعُونَ القولَ فيتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ. أقولُ قولِي هذَا وأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي ولكُمْ.
الخُطْبَةُ الثَّانيةُ
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ولِيُّ الصالحينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدَنَا مُحَمَّداً عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ النبيُّ الأمينُ، فاللَّهُمَّ صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَى سيدِنَا محمدٍ وعلَى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحسانٍ إلَى يومِ الدِّينِ .
أمَّا بعدُ أيهَا المسلمونَ: فإنَّنَا اليومَ بفَقْدِ هذَا القائدِ لنتذكَّرُ ذلكَ الرعيلَ المخلصَ مِنْ قادتِنَا الذينَ انتقلُوا إلَى ديارِ الحقِّ، ففِي مثلِ هذهِ الأيامِ قبلَ ستِّ سنواتٍ رحلَ عنَّا الشيخُ زايد بن سلطانَ آل نهيان طيَّبَ اللهُ ثراهُ، والذِي كانَ مثالاً عاليًا فِي الأخلاقِ وقدوةً يُحتَذَى بِهَا بعدَ أَنْ أدَّى الأمانةَ ونصحَ للهِ ولشعبِهِ، فبنَى دولةً رائدةً علَى أُسسٍ حضاريةٍ يُشارُ إليهَا بالبنانِ، أصبحَتْ اليومَ حديثَ العالَمِ أجمعَ، فقدْ بدأَ رحمَهُ اللهُ تعالَى مسيرةَ العطاءِ منذُ اللحظةِ الأُولَى لتولِّيهِ الأَمْرَ، فاستطاعَ أنْ يبنِيَ اتحادًا قويًّا بتوفيقِ اللهِ لهُ ثُمَّ بمعونةِ إخوانِهِ حكامِ الإماراتِ لينعمَ الجميعُ بالأمنِ والأمانِ والاستقرارِ والرفاهيةِ، فخلَّدَ التاريخُ ذكْرَهُ قائدًا حكيمًا قادَ شعبَهُ بأُبُوَّةٍ حانِيَةٍ، وسياسةٍ رشيدةٍ، وعزيمةٍ قويةٍ، فَغَدا قُدوةً للقريبِ والبعيدِ، وأَحبَّهُ الناسُ فِي كلِّ بقاعِ الأرضِ، وإنَّ اللهَ تعالَى إذَا أحبَّ عبدًا أحبَّهُ أهلُ السمواتِ ووُضِعَ لهُ الْقَبُولُ فِى أَهْلِ الأَرْضِ، قَالَ صلى الله عليه وسلم :« إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِذَا أَحَبَّ عَبْداً نَادَى جِبْرِيلَ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّ فُلاَناً فَأَحِبَّهُ فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِى جِبْرِيلُ فِي السَّمَاءِ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّ فُلاَناً فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ وَيُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِى أَهْلِ الأَرْضِ». وسيُسَجِّلُ التاريخُ مسيرتَهُ المباركةَ بأحرُفٍ مِنْ نورٍ، وستظَلُّ هذهِ الحقبةُ تَاجاً فِي تاريخِ الإماراتِ والعالَمِ وَوِساماً علَى صَدْرِ كُلِّ أبناءِ الوطنِ، فنسألُ اللهَ سبحانَهُ أَنْ يتغمدَ برحمتِهِ الشيخَ زايد بن سلطان آل نهيان والشيخ صقر بن محمد القاسمي وشيوخَ الإماراتِ الذينَ أسَّسُوا هذهِ الدولةَ المباركةَ وانتقلُوا إلَى جوارِ ربِّهِمْ الكريمِ.
عبادَ اللهِ: إنَّ اللهَ أمرَكُمْ بِأَمْرٍ بَدَأَ فيهِ بنفْسِهِ وَثَنَّى فيهِ بملائكَتِهِ فقَالَ تَعَالَى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) وقالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم :« مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْراً» اللهمَّ إنَّا نسألُكَ أَنْ تجعلَ صلواتِكَ وتسليماتِكَ وبركاتِكَ علَى حبيبِكَ ورسولِكَ سيدِنَا محمدٍ، وعلَى آلِهِ الأطهارِ الطيبينَ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وعلَى سائرِ الصحابِةِ الأكرمينَ، وعَنِ التابعينَ ومَنْ تبعَهُمْ بإحسانٍ إلَى يومِ الدينِ، اللهمَّ إنَّا نسألُكَ صحةَ إيمانٍ، وإيماناً فِي حُسْنِ خُلُقٍ، ونجاحاً يتبعُهُ فلاحٌ ورحمةٌ منكَ وعافيةٌ ومغفرةٌ، اللهمَّ حببْ إلينَا الإيمانَ وزيِّنْهُ فِي قلوبِنَا، واجعلْنَا مِنَ الراشدينَ، اللهمَّ إنَّا نَسألُكَ مِمَّا سَألَكَ منهُ سيدُنَا مُحمدٌ صلى الله عليه وسلم ونَعُوذُ بِكَ مِمَّا تَعوَّذَ مِنْهُ سيدُنَا مُحمدٌ صلى الله عليه وسلم اللَّهُمَّ اشفِ مَرْضَانَا وارْحَمْ مَوْتَانَا، اللَّهُمَّ اغفر للشَّيْخِ زَايِد، والشَّيْخِ مَكْتُوم، وإخوانِهما شيوخِ الإماراتِ الذينَ انتقلُوا إلى رحمتِكَ، اللَّهُمَّ أَنْزِلْهُم مُنْزَلاً مُبَارَكًا، وأَفِضْ عَلَيْهِم مِنْ رَحَمَاتِكَ وَبَرَكَاتِكَ، وَاجْعَلْ مَاقَدَّموا فِي مِيزَانِ حَسَنَاتِهِم يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا رئيسَ الدولةِ الشَّيْخَ خليفة بنَ زايد وَنَائِبَهُ الشَّيْخَ محمَّدَ بنَ راشدٍ إِلَى مَاتُحِبُّهُ وَتَرْضَاهُ، وَأَيِّدْ إِخْوَانَهُما حُكَّامَ الإِمَارَاتِ أجمعين، اللَّهُمَّ بارِكْ فِي المحسنينَ الذينَ يُنفقونَ أموالَهُمْ ابتغاءَ وجهِكَ الكريمِ، اللَّهُمَّ إنَّا نَسْأَلُكَ الْمَغْفِرَةَ والثَّوَابَ لِمَنْ بَنَى هَذَا الْمَسْجِدَ وَلِوَالِدَيْهِ، وَلِكُلِّ مَنْ عَمِلَ فِيهِ صَالِحًا وَإِحْسَانًا، وَاغْفِرِ اللَّهُمَّ لِكُلِّ مَنْ بَنَى لَكَ مَسْجِدًا يُذْكَرُ فِيهِ اسْمُكَ، اللَّهُمَّ أَدِمْ عَلَى دولةِ الإماراتِ الأَمْنَ والأَمَانَ وَعلَى سَائِرِ بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ. اذْكُرُوا اللَّهَ الْعَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشكرُوهُ علَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ (وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ).